كيف تصنع التربية البيئية مستقبلاً أخضر؟

في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، أصبحت التربية من أجل الاستدامة ضرورة تربوية وأخلاقية، تهدف إلى بناء وعي بيئي لدى الطلبة، وتعزيز سلوكيات مسؤولة تجاه الموارد الطبيعية. لم يعد التعليم البيئي مجرد معلومات نظرية، بل تحول إلى ممارسة حياتية يجب أن تبدأ من الصفوف الأولى، بل في مراحل الطفولة المبكرة أيضاً.

فالتعليم الآن لم يعد محصوراً في نقل المعرفة الأكاديمية، بل أصبح مسؤولاً عن تشكيل وعي إنساني مسؤول تجاه البيئة والمجتمع، فغرس الوعي البيئي في نفوس الطلاب يُعد خطوة جوهرية نحو تحقيق الاستدامة التعليمية، التي لا تقتصر على الحفاظ على الموارد، بل تمتد لتشمل بناء سلوكيات مستدامة، ومواقف إيجابية، ومهارات حياتية تدعم مستقبلاً أكثر توازناً.

وحقيقة إن الوعي البيئي يبدأ من إدراك الطالب أثر سلوكه اليومي في البيئة، مثل استخدام الماء، وفرز النفايات، وترشيد الطاقة. حين يدرك الطفل أن قراراته الصغيرة تترك أثراً كبيراً، يتحول من متلقٍ سلبي إلى فاعل بيئي. وهذا التحول لا يحدث تلقائياً، بل يحتاج إلى بيئة تعليمية محفزة، ومناهج تربط المفاهيم العلمية بالقضايا البيئية الواقعية، وهو ما أكدته وزارة التربية والتعليم، عندما صرحت بدمج التعليم المناخي في 17 منهاجاً تعليمياً معتمداً في الدولة، ضمن خطتها الوطنية لتضمين عنصر المناخ في المنظومة التعليمية.

وما تؤكده الدراسات التربوية أن دمج مفاهيم الاستدامة في المناهج الدراسية يعزز من مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والعمل الجماعي. كما أن الأنشطة الصفية التي تتناول موضوعات مثل التغير المناخي، وإعادة التدوير، والزراعة المدرسية، تخلق فرصاً لتطبيق المعرفة في سياقات حياتية، ما يزيد من دافعية الطلاب للتعلم، ويعمق ارتباطهم بالمجتمع.

والمعلم في هذا السياق لا يؤدي دوراً تقليدياً، بل يتحول إلى موجه بيئي، يربط المحتوى الدراسي بالقضايا المحلية والعالمية، ويشجع الطلاب على المبادرة والمشاركة. كما أن المدرسة نفسها تصبح نموذجاً للاستدامة، من خلال تبني ممارسات صديقة للبيئة، مثل تقليل استخدام الورق، وتوفير مصادر طاقة نظيفة، وتحفيز الطلاب على التفكير البيئي.

وهذا ما يجعلنا نقول إن بناء جيل واعٍ بيئياً هو استثمار تربوي طويل الأمد، ينعكس ليس فقط على البيئة، بل على جودة التعليم ذاته، فالاستدامة التعليمية لا تتحقق إلا عندما يصبح الطالب جزءاً من الحل، لا مجرد متلقٍ للمعلومة. وهذا ما يجعل الوعي البيئي أحد أعمدة التربية الحديثة، وأحد مفاتيح بناء مستقبل أكثر إنصافاً وتوازناً.

جامعة الإمارات العربية المتحدة

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

الأكثر مشاركة