بماذا يتباهى العظماء؟
يتباهى الناس عادة بما يملكون، فمنهم من يفاخر بماله، ومنهم من يعتز بنسبه، وآخرون يتباهون بمناصبهم أو جاههم، غير أن العظماء وحدهم من أدركوا أن أعظم ما يُتَباهى به هو التواضع، تلك الخصلة التي لا تنبت إلا في أرض النفوس الراقية، ولا تثمر إلا في قلوب امتلأت يقيناً بأن الرِّفعة الحقيقية ليست في العلو على الناس، بل في القرب منهم.
فالعظمة لا تُقاس بما تملك من قوة أو سلطان، بل بقدرتك على أن تظل بسيطاً رغم قدرتك على التعالي، وما أجمل قول النبي ﷺ: «وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، فكل من تواضع لله خالصاً رفعه الله مكانةً وقدراً، وجعل له في قلوب الناس منزلةً لا يبلغها بمال ولا جاه.
التواضع ليس ضعفاً كما يظنه الجاهلون، بل هو وعيٌ بالنفس وإدراك لحقيقتها. الكبير حقاً هو من يدرك أن ما عنده من فضل إنما هو من الله، فيردّه إليه شكراً وخدمةً للخلق، وخير الناس أنفعهم للناس، ولم يتواضع كبير إلا وارتفع في أعين الناس، لأن النفوس السوية تميل إلى من يقترب منها، وتنفر ممن يضع حاجز الكِبر والتعالي، وكما قال الشاعر:
تواضعْ لِربِّ العَرشِ علَّك تُرفعُ ** فما خاب عبدٌ للمُهيمن يخضعُ
وداوِ بِذِكرِ اللهِ قلبك إنه ** لأشْفَى دواءً للقلوب وأنفعُ
ومن يتأمل في سِير العظماء يرَ أن التواضع كان سمتهم الأبرز، وأما إذا أردنا أن نبحث في زماننا المعاصر عن رموز للتواضع في أبهى صورها، فلن نجد أصدق مثالاً من قيادتنا الرشيدة، حفظهم الله، فهم جامعة قائمة في دروس التواضع، تتجلى فيها الأخلاق الرفيعة والإنسانية الصافية التي تربت عليها في مدرسة زايد الخير، طيّب الله ثراه.
فقيادتنا الرشيدة، حفظهم الله، رغم مشاغلهم اليومية، يحرصون على أن يكونوا أقرب إلى الناس، يشاركونهم أفراحهم وأتراحهم، يزورون بيوت الشهداء، ويواسون المحتاج، ويجلسون مع الكبير والصغير ببساطة الأب وحنان الأخ، في مشاهد تختصر معنى القيادة المتواضعة التي ترفع الوطن في قلوب شعبه قبل أن ترفعه في موازين العالم أجمع.
فقيمة التواضع زينة الأخلاق، ومفتاح المحبة، وباب القبول، وهو المعيار الحقيقي للعظمة الإنسانية؛ فمن أراد الرفعة فليتخلق بالتواضع، ومن طلب الذكر الحسن بين الناس فليجعل نفسه جسراً يعبر الناس من خلاله إلى الخير لينشر المحبة والسلام ويزرع البسمة في محيّا الناس، ومن طاب ذكره عظُم عند الناس أثره.
*باحث في العلوم الإنسانية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.