آمن بإعلامك

تعجبني المؤسسات الرشيقة التي لا تكتفي بالتصريحات، بل تبتكر حلولاً واقعية، تلك التي تفكر بعقل الجمهور، لا من خلف المكاتب. ومجلس الإمارات للإعلام من هذا النوع، حين أطلق منصة «آمن»، ليجعل الناس شركاء في حماية أنفسهم من المحتوى المضلل أو المسيء أو الإعلانات المخالفة.

كلنا مررنا بمقاطع أو مشاهد أثارت حفيظتنا، وتمنينا لو تختفي من أمام أعيننا وأعين أطفالنا.. من إعلانات سطحية تشوّه الذوق العام، إلى محتويات تافهة أو منحرفة تُقدَّم على أنها «ترفيه». واليوم، لم يعد الحل في التذمّر أو تبادل الاستياء في مجموعات «الواتس أب»، بل في أن نكون جزءاً من العلاج والمساءلة.

لكن الدور لا يقف عند المؤسسات، بل يبدأ من البيت، فشراء الأجهزة اللوحية والهواتف للأطفال لا يعفينا من واجبنا، بل يزيده. علينا أن نتحدث معهم، نفهم ما يشاهدونه، ونزرع فيهم وعي التمييز بين ما يُبني وما يُفسد. أطفال اليوم يعيشون في عالمٍ افتراضي أصبح بالنسبة لهم هو الواقع، بينما صارت الحياة الحقيقية هي «الافتراضية».

ولأن المجلس لم يترك الأمور للذوق الفردي، وضع عشرين معياراً واضحاً تضبط المحتوى الإعلامي، تراعي الدين والهوية واللغة والخصوصية، لتكون بوصلة أخلاقية تسبق الرقابة، وتُوجّه المبدعين قبل أن تُحاسبهم.

حادثة الطفلة التي أحرقت نفسها تقليداً لـ«ترندٍ» مؤذٍ ليست مصادفة، بل جرس إنذار يذكّرنا بأن الخطر لا يسكن الشاشة وحدها، بل في غياب التوجيه.

المنصة الجديدة «آمن» تمكّن الجمهور من الإبلاغ عن أي تجاوز بثقة ومسؤولية، لتسهم في تصحيح المشهد الإعلامي، هي ليست رقابة، بل شراكة واعية بين المجلس والناس لصناعة بيئة تحترم قيمنا وثقافتنا.

ما نراه اليوم من انفلاتٍ في بعض المنصات العالمية أو الألعاب يذكّرنا بأن حماية أبنائنا تبدأ من وعينا نحن، لا من الخوف عليهم.

منصة «آمن» ليست مجرد تطبيقٍ إضافي في هواتفنا، بل رسالة ثقة تقول: أنتم شركاء في صناعة إعلامٍ مسؤول.

فلنؤمن بإعلامنا.. ونؤمّنه معاً.

*إعلامي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

الأكثر مشاركة