دبي.. من استيراد المعرفة إلى تصدير الفكر

لم تعد دبي مدينة تستورد المعرفة لتطوير اقتصادها، بل أصبحت بيئة تُنتج الفكر وتُصدّره إلى العالم. فبعد أن كانت تتبنى التجارب الدولية، باتت تجربتها اليوم تُدرّس في مراكز الحوكمة والإدارة الحضرية حول العالم، كنموذج في التفكير الاستباقي والإدارة الاقتصادية المرنة، القائمة على تحويل الرؤية إلى ممارسة، والممارسة إلى فكر حكومي متجدّد يقود التنمية بوعي واستبصار.

ووفق تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2025، تحتل الإمارات المرتبة الـ30 من بين 139 اقتصاداً، متقدمة في «مدخلات الابتكار» إلى المرتبة 14، إلا أن «مخرجات الابتكار» ماتزال في المرتبة الـ47، ما يعكس فجوة بين حجم الاستثمار في المعرفة وبين تحويله إلى منتجات فكرية وتجارية قابلة للتصدير. كما تُظهر نتائج مؤشر المعرفة العالمي لعام 2024، أن الإمارات تحتل المرتبة الـ26 عالمياً والأولى عربياً بقيمة 60.9 نقطة، وهو ما يؤكد رسوخ البنية المعرفية في الدولة، مع الحاجة المستمرة إلى تعظيم العائد الفكري من هذه البنية الثرية.

وفي المقابل، تُشكّل القطاعات غير النفطية اليوم نحو 70% من الناتج المحلي للدولة، بينما تحتضن دبي وحدها أكثر من 5600 شركة ناشئة، تعمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال الرقمية.

هذه البيئة الديناميكية تعزز مكانة دبي كمركز لتوليد الأفكار وتطبيقها، لا مجرد استيرادها. ومع مؤسسات مثل «Dubai Science Park»، و«متحف المستقبل»، تُرسّخ الإمارة منظومة إنتاج فكري تتجاوز الحدود التقليدية للتنمية الاقتصادية، وتُسهم في صياغة نماذج عالمية للحوكمة والابتكار الحضري، تُلهم مدناً أخرى تسعى إلى بناء اقتصادات معرفية مستدامة.

ولكي تتحول دبي إلى مصدر رئيس للفكر، لابد من سد الفجوة بين المعرفة والتطبيق. ويتحقق ذلك عبر خطوات محددة، أبرزها إطلاق «صندوق إنتاج الفكر الإماراتي» لدعم تحويل الأبحاث إلى حلول اقتصادية، وتوسيع الحوافز للشركات التي تُطوّر براءات اختراع محلية، وإنشاء منصة عالمية باسم «Dubai Thought Export Platform» لتصدير الأفكار والسياسات والنماذج التنظيمية الإماراتية إلى المدن الصاعدة. كما يُستحسن تعزيز الشراكات البحثية الدولية بحيث تُدار فرقها من داخل دبي، مع تحسين مستمر في أنظمة الملكية الفكرية، لضمان حماية الابتكار الوطني، وتشجيع رواد الفكر على المشاركة والإبداع.

إن ما يميز دبي هو أنها لا تكتفي بالتنفيذ، بل تفكر وتبتكر وتسبق المستقبل. إنها تُدرك أن القوة الحقيقية في القرن الـ21 ليست في الموارد، بل في القدرة على تحويل المعرفة إلى فكر، والفكر إلى نموذج، والنموذج إلى تأثير مستدام يصنع الفارق بين المدن في سباق المستقبل.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

الأكثر مشاركة