أدبُ الأدبِ
الأدبُ منقبة عظيمة للإنسان، ويُعد من أجلِّ مكارم الأخلاق، ومن تحلَّى به كان شامة بين الناس، يذكرونه بالثناء، ويعيش بينهم حميداً موقراً، والشريعة الإسلامية جاءت بالأدب العظيم مع الله تعالى، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع الناس أجمعين، ولاسيما مع الوالدين، والإخوان والأخوات، والأصدقاء، والجلساء، وزملاء العمل، ومع من يعرف المرء ومن لا يعرف، وقد أفرد المحدثون في مصنفاتهم كُتباً خاصة بالأدب، كما فعل البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، وغيرهما من أصحاب السنن، فضلاً عن المصنفات الخاصة، كما فعل البخاري في كتابه «الأدب المفرد» وألَّف غيره كذلك بمسميات أخرى.
ولستُ أعني الأدب العربي المعنيِّ بالنثر والشعر والحكم وغير ذلك، بل أعني الأدب الإسلامي الذي يرقِّي المرء درجات الفضائل الدينية والدنيوية، وهو الذي اعتنى به الإسلام عناية كبيرة، فهذا الأدب الذي يُمدح به المرء أو يُذم.
فما حقيقة هذا الأدب؟ إنه أدب القول، وأدب الصمت، وأدب التعامل، وأدب البر، وأدب الإحسان، وأدب الإخاء، وأدب النظر، وأدب السمع، وأدب التعاون، وأدب النصح، وأدب الوفاء، وأدب الصبر، وأدب الحلم، وأدب الكرم.. إلى غير ذلك من أنواعه المتكاثرة، التي إن نُسب المرء إليها افتخر، وإن فقدها كان مذموماً مقيتاً عند الناس وإن كان عابداً قانتاً، ولكي يحقق المرء لنفسه هذا الفضل فعليه أن لا يدَّعيه لأنه يزكي نفسه، وليس ذلك من الأدب، فقد نهى الله تعالى الناس عن تزكية أنفسهم، بل يتحلّى به في كل سلوكه حتى يشهد له به الآخرون، وهم شهداء الله في الأرض، وعليه أن يبحث عن أصول الأدب وسيجد ذلك من تأديب الأبوين إن كانا حريصين على نفع أبنائهما، وهو أكبر نفع يقدمه الوالد لولده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نحل والدٌ ولدَه أفضل من أدب حسن» وسيجده في هدي القرآن الكريم، فإنه يهدي للتي هي أقوم، ويحمله على مراقبة الله تعالى في أقواله وأفعاله ونياته، وسيجده في سنة النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان المثل الأعلى في الأدب وكان يفتخر به، ويقول: «أدَّبني ربي فأحسن تأديبي» فيتأسى بأخلاقه العظيمة التي هي جوهر الأدب، فهو الأسوة الحسنة، وسيجده في سِيَر الصالحين الذين سجل التاريخ فضائلهم وآدابهم، وسيجده في مجالسة الأخيار الذين يتأثر بهم، وسيجده في المجتمع الذي يشجع على الخير وينكر المنكر، وسيجده في قراءة كتب الأدب النبوي في جوامع السنة وسننها والمؤلفات الخاصة بالأدب، ومتى تيسر له شيء من ذلك وجد نسبة من الأدب بقدر ما تيسر وتعلم.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه