الذكاء الاصطناعي والتعليم بحلول 2050

تخيّلوا مدرسة بلا دفاتر ولا امتحانات موحّدة، ويقف الذكاء الاصطناعي شريكاً في رحلة التعلّم. في هذا المشهد، لا يعود الطالب أسير التلقين والحفظ، بل يدخل مغامرة معرفية مصمّمة على مقاسه، يقوده فيها المعلّم كمدرّب ومرشد، ويحفّزه الذكاء الاصطناعي على النقد والإبداع.

كأستاذ أكاديمي، أجد نفسي متحيّراً بين القلق والحماس كلما تأملت الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي في مدارسنا قريباً. القلق سببه: هل سيضعف اعتماد الطلاب على هذه الأدوات قدراتهم النقدية؟ أما الحماس فلأننا نقترب من فتح أبواب لم تخطر على بال أي معلّم أو متعلّم من قبل.

ومشهد مدرسة مستقبلية بلا دفاتر ورقية ولا امتحانات موحّدة ليس مشهداً من فيلم خيال علمي، بل رؤية بدأ خبراء، مثل عالم النفس هوارد غاردنر (مبتكر نظرية الذكاءات المتعددة)، وأنتيا روبرتس (أستاذة في جامعة هارفارد ومطوّرة أدوات الذكاء الاصطناعي) في رسم ملامحها منذ الآن.

في مقابلة مع جريدة «هارفارد غازيت» بتاريخ 19-9-2025، يصرّح غاردنر بأن الأطفال سيحتاجون فقط لسنوات قليلة لتعلّم أساسيات القراءة والكتابة والحساب، قبل أن يتحول دور المعلمين من الملقنين إلى مدربين، يوجّهون الطلاب نحو التفكير النقدي واكتشاف أفكار جديدة، واختيار مهن تثير شغفهم.

وفي حين يؤكّد بعض الخبراء أنّ الذكاء الاصطناعي سيضعف مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب، ترد روبرتس بقولها: «المطلوب ليس الاستبدال بل التوسيع. علينا أن نستغل قدرات هذه الأدوات لتعزيز ملكاتنا البشرية، لا لنتخلى عنها».

من اللافت أنّ غاردنر كان قد صاغ مقالاً بعنوان «العقول الخمسة للمستقبل» (2005)، قدّم تصوراً لخمس ملكات ذهنية، ينبغي لسياسات التعليم أن تسعى إلى تنميتها: العقل المنضبط (الذي يتعلّم مواد كالتاريخ والأحياء والرياضيات)، والعقل المركِّب (الذي يجمع خيوط الأفكار في صورة متماسكة ومعقولة)، والعقل المبدع، أما النمطان الآخران فهما العقل المحترم والعقل الأخلاقي. لكنه عاد ليؤكد أن الذكاء الاصطناعي قد يتولى قريباً معظم مهام العقول الثلاثة الأولى بكفاءة تفوق البشر، بينما يظل الاحترام والأخلاق مجالًا حصرياً للإنسان لا يمكن أن تنجزه الخوارزميات، مهما بلغت براعتها.

أما روبرتس فترى أن هذه التحولات ليست تهديداً، بل فرصة لتوسيع آفاق المعرفة.

الرسالة الأعمق هنا أن مستقبلنا لن يُقاس بقدرتنا على التفكير مثل الآلات، بل بقدرتنا على الحفاظ على إنسانيتنا في وجهها.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

الأكثر مشاركة