الغسيل (1)

فيصل محمد الشمري

«الغسيل»، ولا نقصد هنا أو نتكلم عن غسيل الأموال، رغم أن له ارتباطاً اسمياً بالموضوع، بل نتكلم عن غسيل الحوكمة البيئية والحوكمة الاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)، أو ما يتم التركيز عليه والأكثر شهرة، ألا وهو التضليل والغسيل البيئي (Greenwashing)، وهي الممارسات المضللة التي تتمثل في تصوير شركة أو منتج على أنه أكثر استدامة مما هو عليه في الواقع، حيث قامت العديد من الدول بوضع لوائح تهدف إلى الحد منه من خلال زيادة الشفافية والمساءلة، ومثال ذلك الاتحاد الأوروبي، حيث يتم إلزام الشركات بالتحقق من ادعاءاتها «الخضراء»، وأن يكون مقدمو تصنيفات الـ(ESG) مرخصين، وتتم مراقبة وحوكمة عملهم من قبل الهيئات التنظيمية.

ومع تطور المشهد التنظيمي العالمي، يشير الاتجاه نحو تعزيز إنفاذ القانون، واتخاذ إجراءات قانونية ضد ادعاءات الاستدامة المضللة، لحماية المستثمرين والمستهلكين، وتعزيز الاستدامة الحقيقية. ولعل أبرز الخطوات التنظيمية آسيوياً، ما تم من صدور تشريعات منظمة في كل من الهند وسلطنة عُمان، العام الماضي، والتي تعتبر خطوات جدية، تعزز ممارسات الاستدامة، وترفع مستويات النضج المؤسسي والحوكمة.

يلجأ بعض الشركات لهذه الممارسات للاحتيال على المستثمرين والمستهلكين الذين يعطون أولوية للاستدامة، وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد الضوابط والتشريعات واللوائح التنظيمية، للحد من هذه السلوكيات الاحتيالية بهدف تعزيز ثقة المستهلك، فهذه الادعاءات المضللة تسبب تآكل ثقة المستهلك بجهود الاستدامة الحقيقية.

كما أنها تحمي المستثمرين، وتدرأ خطر اتخاذ قرارات غير مدروسة، وتمنع تقويض الثقة في منتجات الاستثمار المستدامة، وتحقق العدالة، وتوفر فرصاً متكافئة للشركات الملتزمة بالاستدامة. وتأتي أيضاً لتلبية الطلب المتنامي للمستثمرين لمنتجات الاستثمار المستدام، ومصداقية الصناديق والشركات في مجالات الـ(ESG).

وجاء صدور المرسوم بقانون اتحادي رقم 11 لسنة 2024 بشأن الحد من آثار تغيّر المناخ في شهر أغسطس، العام الماضي، ليدخل حيّز التنفيذ في 30 مايو 2025، كموجه استراتيجي لبوصلة مسار التنمية المستدامة على المستوى الوطني، معززاً الريادة الإماراتية، حيث يهدف المرسوم إلى وضع إطار قانوني شامل لمواجهة تغير المناخ، عبر أهداف رئيسة، تشمل إدارة الانبعاثات، وتعزيز قدرة الأنظمة البيئية والمجتمعات على التكيف مع التحديات المناخية، وتشجيع الابتكار والبحث العلمي، ويتضمن إنشاء نظام دقيق لقياس وإبلاغ والتحقق من الانبعاثات. ويُلزم الشركات بوضع خطط للتكيف مع تغير المناخ، وتحفيز وتشجيع الابتكار، ودعم مبادرات البحث والتطوير بتقنيات الاستدامة، وتعزيز وضمان الشفافية عبر الإفصاح ومشاركة بيانات الانبعاثات، ودعم التعاون الدولي في قضايا المناخ، مع فرض غرامات على المخالفين.. وللحديث بقية.

*مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر