الهوية الوطنية في ظل العولمة

الدكتور خالد الحضرمي

في عصر العولمة المتسارعة، حيث تتداخل الثقافات، وتتقاطع المصالح، وتتقلص المسافات، بفضل التكنولوجيا الحديثة في الدول المتطورة ذات التنوع السكاني والانفتاح الاقتصادي الكبير، تبرز قضية الهوية الوطنية كأحد أهم التحديات التي تواجه المجتمعات والدول والأفراد. فالهوية الوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع، بل هي شعور بالانتماء الصادق، وهي عبارة عن مجموعة من القيم والتقاليد والعادات والمفاهيم والرموز التي تشكل وجدان الفرد والمجتمع. غير أن العولمة بما تحمله من تدفق غير مسبوق للمعلومات والأفكار والآراء، قد تؤدي إلى تآكل هذه الهوية، خصوصاً عند الأجيال الشابة التي أصبحت تتلقى ثقافتها من مصادر متعددة، تتجاوز في كثير من الأحيان حدود الوطن، لكن العولمة ليست بالضرورة تهديداً، بل يمكن أن تكون فرصة لتعزيز الهوية الوطنية، إذا تم التعامل معها بصورة صحيحة، فالمطلوب ليس الانغلاق، بل التوازن بين الانفتاح الواعي على العالم والحفاظ على الجذور الثقافية.

وهذا يتحقق من خلال تعزيز التعليم الوطني، ودعم المحتوى الإعلامي المحلي، وتشجيع الفنون والتراث، وإشراك الشباب في مشاريع تبرز الهوية الوطنية بطريقة معاصرة وجذابة.

كما أن التكنولوجيا نفسها يمكن أن تكون وسيلة فعّالة في نشر الثقافة الوطنية، من خلال المنصات الرقمية التي توصل صوت الوطن إلى العالم، وتُعرّف الأجيال الجديدة بتاريخها وهويتها وماضيها بطريقة تفاعلية ومبتكرة.

إن حماية الهوية الوطنية في ظل العولمة ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة، تبدأ من الأسرة والمدرسة والجهات المعنية، وتمر بالمؤسسات الإعلامية والثقافية، وتنتهي بالفرد نفسه، الذي يجب أن يعي أن الانتماء للوطن ليس عقبة في طريق التقدم، بل هو بوابة حقيقية للثقة والاستقرار والتميز.

وقد نجحت دولة الإمارات منذ تأسيسها في عام 1971 في بناء نموذج فريد، يرتكز على الانفتاح العالمي دون تفريط في الهوية الوطنية.

ويعود هذا النجاح إلى قيادتنا الرشيدة، التي أدركت مبكراً أن الهوية الوطنية أساس للوحدة والاستقرار الاجتماعي. فالتنوع الثقافي الذي تحتضنه الإمارات بجدارة يعتبر من أبرز سماتها، في ظل وجود سياسات حكومية واضحة لضمان التعايش السلمي بين مختلف الثقافات، مع الحفاظ على الهوية الوطنية. فقد استطاعت الإمارات أن تحقق توازناً فريداً بين التعددية الثقافية والحفاظ على القيم الوطنية، حيث إن الحفاظ على هذا التوازن يتطلب استراتيجيات مستدامة، تضمن اندماج الجميع تحت الهوية الإماراتية، دون أن تفقد هذه الهوية جوهرها.

*أكاديمي وباحث

@ Dr. Khaledali123. X.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر