تراجع حرية الأكاديميين في الغرب

تشهد الأوساط الأكاديمية في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تصاعداً في المخاوف بشأن تراجع حرية الأكاديميين، في ظل تحولات سياسية واجتماعية تؤثر في استقلال الجامعات وحرية التعبير داخلها.

وفي عددها الصادر بتاريخ 26-8-2025، نشرت مجلة «هارفارد غازيت» مقابلة مع أ.د. بيبا نوريس، أستاذة السياسة المقارنة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، إلى أن حرية الأكاديميين باتت مهددة على جبهتين: الأولى خارجية تتمثل في تدخل الحكومات، والثانية داخلية تتجسد في الضغوط الثقافية والأعراف غير الرسمية داخل المؤسسات الأكاديمية نفسها.

وتوضح الدراسة أن حرية الأكاديميين، بمفهومها التقليدي، تقوم على مبدأ أن الجامعات هي مؤسسات مستقلة تُدار من قبل أهل الاختصاص، مثلها مثل المهن الطبية أو القانونية، ويجب أن يكون للأساتذة دور رئيس في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتوظيف، والمناهج، وتقييم الطلاب، وتمويل البحوث. وترى أن أي تدخل خارجي في هذا الإطار يُعد تهديداً لمسار المعرفة.

لكن هذه الاستقلالية، حسب نوريس، ليست مطلقة حتى في أكثر الديمقراطيات ليبرالية، إذ تتدخل الحكومات في تمويل الجامعات العامة وتحديد معايير المناهج والاعتماد الأكاديمي، بل تفرض سياسات تتعلق بالتنوع والتمييز.

كما أن الضغوط الداخلية لا تقل خطورة، إذ كشفت الدراسات منذ الخمسينات عن ميل الأكاديميين في الغرب إلى التوجهات الليبرالية، مقابل تمثيل محدود للأصوات المحافظة. ويرجع هذا التحيز، بحسب الباحثة، إلى آليات الاختيار والتوظيف والترقية، إضافة إلى تأثير المعايير الثقافية السائدة التي تشجع على التماهي الفكري داخل المؤسسات.

ويؤدي ذلك إلى ما تصفه نوريس بـ«الرقابة الذاتية»، حيث يختار بعضهم عدم التعبير عن آرائهم خوفاً من العزلة أو التأثير في مستقبلهم المهني. وتضيف أن هذه الرقابة لا تُفرض بالقوة، بل عبر ضغط الزمالة والمجتمع الأكاديمي، ما يجعل المعارضة الصامتة غير مرئية للغالبية التي تظن أن النقاش مفتوح ومتوازن.

وترى الدراسة أن مجرد الإحساس بتراجع حرية الأكاديميين كافٍ ليزيد من ميل الأفراد إلى الصمت، خاصة أولئك الذين ينتمون لأقليات فكرية. كما أن الالتزام الحقيقي بقيم الحرية الأكاديمية، بحسب نوريس، يرتبط بقدرة الفرد على الاستماع للآراء المخالفة، واحترامها، والدفاع عن حق الآخرين في التعبير، حتى في حال الاختلاف.

وتختم الباحثة بأن هذه التهديدات لا تقتصر على أميركا وحدها، بل تمتد إلى معظم الديمقراطيات حيث تتداخل الضغوط الداخلية والخارجية لتقييد حرية التعبير داخل الحرم الجامعي.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة