من يملك الفكرة يملك الغد

في عالم اليوم لم تعد الدول تتنافس على الموارد الطبيعية أو النفوذ، بل دخلت مرحلة أكثر تعقيداً وعمقاً، فالتنافسية بالأفكار غدت معركة غير مرئية، لكنها حاسمة، تدور رحاها في الجامعات، ومراكز الأبحاث، ومنصات الابتكار. والفكرة اليوم تُعامل كأصل استراتيجي، تماماً كأي ثروة استراتيجية. إن الدول التي تستثمر في إنتاج الأفكار وتخلق بيئة حاضنة للابتكار هي التي تملك زمام المبادرة.

خذ على سبيل المثال دولاً مثل كوريا الجنوبية أو فنلندا التي لا تملك ثروات طبيعية ضخمة، لكنها بنت اقتصاداً معرفياً متيناً بفضل الاستثمار في التعليم والبحث العلمي.

ودولة الإمارات العربية المتحدة تقدم نموذجاً عربياً فريداً في هذا السياق، فخلال العقدين الماضيين، تحولت من مستهلك للأفكار إلى منتج لها، عبر الاستثمار في التعليم، والذكاء الاصطناعي، والفضاء، والطاقة المتجددة، فالمبادرات مثل «مسبار الأمل» و«جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي» ليست مجرد مشاريع تقنية، بل رسائل واضحة بأن الإمارات تريد أن تكون لاعباً في سباق العقول وتحدي الأفكار العالمية، فتلك الدول التي تستهلك الأفكار دون أن تنتجها تبقى في موقع التابع، مهما بلغت قوتها المالية أو الجغرافية، فالتنافسية بالأفكار تُقاس بعدد براءات الاختراع، وعدد الأبحاث المنشورة، ومدى تأثيرها.

التنافسية بالأفكار يمكن أن تكون محفزاً للتعاون بين الدول، والتي تتبنى منها عقلية الانفتاح وتبادل المعرفة تخلق شبكات من التأثير تتجاوز الحدود، فالعقول لا تُحب القيود، والأفكار تزدهر حين تُشارك في ظل وجود سياسات ذكية تحمي الملكية الفكرية، وتُشجع على البحث، وتُزيل الحواجز البيروقراطية أمام المبدعين، مع وجود إعلامٍ واعٍ يُسلط الضوء على الإنجازات الفكرية، لا على الأحداث المثيرة فقط.

في النهاية سباق الأفكار هو التحدي الحقيقي للدول في القرن الـ٢١، ومن يملك القدرة على إنتاج المعرفة والأفكار وتطبيقها وتصديرها هو من يملك الغد، لأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأذكى على الإطلاق.

* مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة