المياه جوهر الحياة (1)

فيصل محمد الشمري

قال الله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ»، الآية 30 سورة الأنبياء. إن نقص المياه القابلة للشرب أزمة متنامية على مستوى العالم، وتحدٍ خطير يهدد الوجود البشري، فندرة المياه تؤثر عالمياً في مليارات البشر، فما يقرب من 703 ملايين شخص يفتقرون للمياه النظيفة، بينما 2.2 مليار شخص يعانون عدم توافر خدمات مياه الشرب المُدارة بشكل آمن. وتعود هذه الأزمة إلى محدودية توافر المياه العذبة، وتزايد الطلب من الزراعة والصناعة، والتلوث، وعدم كفاءة إدارة المياه، وتغير المناخ.

ومن المتوقع أن يواجه أعداد أكبر من السكان نقصاً حاداً في المياه مع احتمال نزوحهم بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي، إذا لم تُتخذ إجراءات حاسمة، ما سيفاقم الوضع الحالي.

وتبرز الصناعات والأنشطة الاقتصادية البشرية غير المسؤولة كأحد أهم عوامل تفاقم الوضع ليزداد سوءاً، ومن أمثلة ذلك استهلاك صناعات المشروبات الغازية كميات هائلة من المياه لتصنيعها، حيث لم تعد هذه المشروبات أحد أسباب زيادة نفايات البلاستيك أو الإصابة بأمراض السكر وزيادة نمط الحياة غير الصحية لدى الملايين من البشر فقط، بل أصبحت أحد مسببات شح المياه، ومعاناة السكان.

ولعل أحد أسوأ أمثلة أنشطة الصناعة قيام مصنع تابع لأحد أشهر مصنعي المشروبات الغازية في العالم في إحدى مدن قارة أميركا اللاتينية باستنزاف المياه الجوفية، وسحبه لأكثر من 1.14 مليون لتر من المياه الجوفية المحلية يومياً، بينما لا تتجاوز حصة بعض السكان من المياه ثلاث ساعات كل يومين.

هل يجب وضع ميثاق أخلاقي وقانوني يؤطر عملية سحب الموارد الطبيعية واستهلاكها لأغراض صناعية تجارية؟ وهل من الممكن النظر في وضع ضريبة على استنزاف المياه؟وكيف يمكن أن تدرأ الأطر القانونية إساءة توجيه التشريعات ضد صناعات معينة، بينما تغض النظر أو تسكت عن الممارسات السلبية والخطرة بيئياً في صناعات أخرى؟ هل من المقبول أن نسكت عن استنزاف المياه لصناعة مياه غازية ضارة بالصحة أصلاً، وبممارسات غير مستدامة نهائياً، بينما نمنع استخدام المياه ذاتها الشحيحة لأغراض زراعية، تعزز الأمن الغذائي بطرق آمنة ومستدامة وبشبكات ري حديثة وتقنيات زراعية متقدمة؟ لربما تكون ازدواجية المعايير مربكة وتعكس ممارسات غير أخلاقية ومنافية للقانون، بل إنها أصبحت تهدد الوجود البشري في العديد من الحالات، وتُشكل أسبقية لسكوت مشؤوم وخطير على جرائم ترتكب ضد الإنسانية، واستمرارها، يمكن أن يتم استغلاله مستقبلاً لمزيد من الاستغلال الموجه ضد الفئات الأشد فقراً.. وللحديث بقية.

*مستشار إداري وتحوّل رقمي

وخبير تميّز مؤسسي معتمد

  لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر