«واتقوا الله ويعلمكم الله»

العِلم المطلق صفة من صفات الله تعالى، يعلم به كل شيء، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد يمنح الله تعالى بعض عباده شيئاً قليلاً من العلم؛ فإن كان من علم الدنيا فهو منوط بالكسْب، فيدركه البر والفاجر، وليس هو المراد بالفضل عند الله تعالى، كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.

وإن كان من علوم الشرع فمنه كسْبي ومنه وهْبي، والتفاضل في الوهْبي لا الكسبي؛ لأن الكسبي متاح للمؤمن وغيره، فبقدر ما يبذل المرء من جِد يدرك شيئاً منه، أما الوهبي فله شرائط خاصة، وأجَلُّها تقوى الله تعالى؛ لأن العلم الشرعي هو عِلمٌ عن الله تعالى فيما أمر ونهى، وما تقتضيه الأوامر والنواهي من فهم عنه، سبحانه وتعالى، ومثل هذا الفهم لا يدرك إلا بتقواه سبحانه، كما قال جلّ في علاه: {واتقوا الله ويعلمكم الله}، أي يعلمكم علماً من لدنه سبحانه ليس بكسبكم، تستنيرون به، وتنيرون به غيركم، فهذا وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علَّمه، أي يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يُلقى إليه، فإن العلم نورٌ يقذفه الله تعالى في قلب من اتقاه، وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فُرقاناً، فيصلاً يفصل به بين الحق والباطل، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}، ولا تتحقق التقوى إلا بالعمل الذي أراده الله تعالى من عباده، كما قال عمر بن عبدالعزيز، رحمه الله: «إنما قصُر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا، ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علماً لا تقوم به أبداننا». وبالتقوى والعمل بمقتضى العلم يتمايز العلماء، فأهل التقوى هم الذين يعظمون حدود الله تعالى، ويخشونه حق خشيته، وهم الذين يرفع الله درجاتهم في الدنيا والآخرة، وهم الذين يَهتدي بهم الناس، وهم الذين يحمون حِمى الدين، وهم الذين أوجب الله تعالى على من لا يعلم أن يرجع إليهم، وهم ورثة الأنبياء، وهم الذين يبلغون عن رسول الله تعالى، فمن أراد أن يكون من هذا الصنف من العلماء، فليحقق شرط الله تعالى فيه، وهي التقوى التي هي العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والاستعداد ليوم الرحيل، وكما أن التقوى تورث ذلك العلم اللّدني، فإنها كذلك تورث المراتب العالية في جنات النعيم، كما حدثنا القرآن الكريم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتقين، وأن يهبنا من لَدُنه علماً.

* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة