قطاع التعدين والجاهزية للمستقبل (2)
لاتزال فرصة إنقاذ أهداف التنمية المستدامة ومنع كارثة مناخية، سانحة، لكنها تضيق بسرعة، ففجوات التمويل اللازمة للتنمية المستدامة كبيرة ومتنامية، إذ تُجمع تقديرات المنظمات الدولية وجهات أخرى، حول الحاجة إلى استثمارات إضافية بقيمة أربعة تريليونات دولار سنوياً للدول النامية.
وتُعد الثورة الصناعية الخامسة بوابة الأمل، فمع حوكمة الامتثال لتطبيق مفاهيم مثل البيئة و«الاستدامة» و«التمركز حول الإنسان» Human Centeredness، وتحول البنية الصناعية من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة، وغيرها، وهو ما تمت مناقشته في الثورة الصناعية الرابعة ولم يطبق.
وتتميز الثورة الصناعية الخامسة أو (الصناعة 5.0)، باستغلال التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات لتُدمج هذه التقنيات في عمليات التصنيع، ما يؤدي إلى أنظمة إنتاج ذكية ومترابطة للغاية، لتُعنى بتكامل البشر والآلات، وهذا يعني أنه بدلاً من أن تعمل الآلات بشكل مستقل عن البشر، سيعملان معاً لإنتاج أكثر كفاءة.
ويأتي تحويل الثورة الصناعية، الاقتصادات التي كانت تعتمد على الزراعة والحرف اليدوية، إلى اقتصادات تعتمد على الصناعة واسعة النطاق، والتصنيع الآلي، ونظام المصانع، ليشكل ثورة اقتصادية صناعية متناغمة تسهم فيها الآلات الحديثة، ومصادر الطاقة الجديدة، وأساليب تنظيم العمل الجديدة في زيادة إنتاجية وكفاءة الصناعات القائمة. ولعل من بوادر ذلك نمو التعدين في أعماق البحار أو التعدين البحري، وهو عملية التنقيب عن المعادن في قاع المحيط، حيث بلغ حجم سوق التعدين البحري 2.3 مليار دولار عام 2022، ومن المتوقع أن يصل حجم السوق إلى 41.3 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 33.8%، بين 2023 و2032.
قال شاعر النيل، حافظ إبراهيم:
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ.. فَهَلْ سَأَلُـوا الغَـوَّاصَ عَـنْ صَدَفَاتـي؟
ورغم أن ما قاله كان كناية عن مخاوفه لمصير اللغة العربية عندما كتب قصيدته الأشهر عن «لغة الضاد»، بسبب ما حدث لها بعد استعمار بلداننا العربية، التي نعاها منذ ما يقارب الـ100 سنة (لا «مائة عام»، لجدبها)، إلا أن أبياته تشمل من الحكمة ما يتواءم مع مخاوف التعدين غير المستدام حين قال:
فــلا تَكِلُـونـي للـزَّمَـانِ فإنَّـنـي.. أَخَــافُ عَلَيْـكُـمْ أنْ تَـحِـيـنَ وَفَـاتــي
فهل نعي ونسعى لاستغلال هذه الفرص الاقتصادية الصناعية التي ستسهم في تحقيق قفزات صناعية مهولة وتوفر إحدى أهم ركائز الاقتصاد الصناعي (المواد الأولية)، بالتزامن مع تقليل مخاطر إصابات العمل وتُلغى من قواميس التأمين وفيات المناجم وعمليات التعدين، وتحافظ أيضاً على البيئة لاستدامة الحياة، بوضع متطلبات ومعايير بيئية صارمة؟ نأمل ذلك، وللحديث بقية.
*مستشار إداري وتحول رقمي
وخبير تميز مؤسسي معتمد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه