ومضة من كتاب «فن اللامبالاة»

في زمن يفيض بالتحفيز بكثير من الزائف والنصائح المعلبة، يأتي كتاب «فن اللامبالاة» لمارك مانسون ليقلب الطاولة على مفاهيم السعادة والنجاح.

لا يدعونا مانسون إلى التبلد أو الانسحاب من الحياة، بل إلى إعادة تعريف ما يستحق اهتمامنا، وما يجب أن نتجاهله لنعيش حياة أكثر صدقاً وواقعية.

الرسالة الأولى التي يوجهها مانسون صادمة: «لا يجب أن تكون إيجابياً طوال الوقت». فالحياة مليئة بالصعوبات، والاعتراف بها هو أول خطوة نحو التعامل معها. الإيجابية المفرطة قد تكون شكلاً من أشكال الإنكار، بينما القبول الواقعي يمنحنا القوة لمواجهة التحديات.

إن اللامبالاة التي يدعو إليها مانسون ليست تجاه كل شيء، بل تجاه ما لا يستحق أن نستهلك فيه طاقتنا. نحن نملك عدداً محدوداً من الاهتمام، ويجب أن نوجهه نحو ما يهم حقاً: القيم، العلاقات، الأهداف العميقة.

أما الضغوط الاجتماعية، والمقارنات، والنجاحات الزائفة، فهي معارك لا تستحق أن نخوضها، كما يؤكد أن الألم والمعاناة جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية. لا يمكننا تجنب الألم، لكن يمكننا اختيار نوع الألم الذي نتحمله، فالسعي وراء هدف نبيل قد يكون مؤلماً، لكنه يمنح الحياة معنى، أما الهروب من الألم فهو طريق نحو فراغ داخلي لا يُحتمل، كما يناقش فكرة الموت كأداة لإعادة ترتيب الأولويات. عندما نتذكر أن حياتنا محدودة، نصبح أكثر قدرة على التركيز على ما يهم، ونقلل من التشتت واللهاث وراء ما لا يُضيف قيمة حقيقية.

«فن اللامبالاة» ليس دعوة للكسل أو اللامسؤولية، بل هو دعوة للعيش بصدق، والتوقف عن محاولة إرضاء الجميع، والتخلي عن المثالية الزائفة. إنه كتاب يحرر العقل من الضغوط غير الضرورية، ويمنح القارئ أدوات لفهم ذاته، واختيار معاركه، وتحديد ما يستحق أن يُكافح من أجله. في عالم يصرخ فيه الجميع «كن الأفضل»، يهمس مانسون: «كن صادقاً، وهذا يكفي».

* مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة