ابنة متمردة!

لم يُرزق بأبناء سواها، فبذل كل ما في وسعه لتلبية احتياجاتها، لكن مع تقدمها في العمر، وبلوغها سن المراهقة، بدأت في زيادة التطلب والتمرد.

وذات يوم أثناء جلوسه في المنزل، فوجئ بها ترتدي ملابس مكشوفة غير مناسبة لعمرها وهي في طريقها إلى الخارج، فاستنكر الأمر وطلب منها ارتداء ما يليق، وصُدم بردّ فعلها، إذ احتدت عليه واتهمته بالتخلف والرجعية، والعجز عن الإنفاق عليها.

بمرور الوقت توترت العلاقة بينهما، رغم محاولاته المستمرة بنصحها وإقناعها بأن لجسمها حرمة، وأن هناك أشخاصاً قد يستغلونها إذا أصرت على الظهور بهذه الطريقة، لكن لا حياة لمن تنادي!

الأب المسكين أدرك أن ابنته تضيع منه، فراقب سلوكياتها، ليتلقى صدمة أخرى موجعة، إذ اكتشف أنها ناشطة على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي وتظهر بصورة خليعة، وحين واجهها بذلك أخبرته بأنها تتربح من ذلك، لتكون سبباً في انفصاله عن زوجته التي كانت تدعمها سرّاً، وتبدأ رحلة من الخلافات الأسرية انتهت بعزوف الابنة المتمردة عنه، وهجرانه!

وفي قضية أخرى، مراهقة تورطت في جريمة انتهاك خصوصية الغير بسبب نشرها صورة فتاة أخرى عبر حساباتها، وعدم امتثالها لرغبة صاحبة الصورة بإزالتها من الحساب.

بطلة هذه الواقعة تعيش في عالمها الخاص، بمعزل عن أسرتها التي لم تشك يوماً في أنشطتها نظراً لتفوقها الدراسي، لكنها كانت تغرق تدريجياً في مستنقع شبكات التواصل الاجتماعي، فخلقت لنفسها هوية مزيفة، وكانت تبث مقاطع وصوراً لأشخاص آخرين إلى أن أخطأت بنشر صورة تلك الفتاة.

وفي ظل عدم استجابتها لطلب ودي بإزالة الصورة، تم تحرير بلاغ ضدها، وأحيلت إلى النيابة بتهمة انتهاك خصوصية المجني عليها.

وهنا فقط أدركت الأسرة أن العزلة التي كانت تعيش فيها الابنة المراهقة لم تكن للمذاكرة والانشغال بالعلم، بل إنها تاهت في عالم مسحور تحولت فيه إلى ضحية ومجرمة في الوقت ذاته!

آباء كثيرون يختارون بكل أسف الحلول السهلة للتخلص من صداع أبنائهم، فيتركونهم لساعات طويلة في غرفهم، معتقدين أنهم بمأمن في الداخل، لكن الحقيقة أنهم منفتحون على فضاء مخيف ممتلئ بالمجرمين والمختلين وضعاف النفوس، لذا تظل الرقابة الذكية الرشيدة هي خط الحماية الأول من كل هذه الشرور!

*محكم ومستشار قانوني

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة