أليس الله بكافٍ عبده؟
أخبرنا ربنا سبحانه في كتابه الكريم أنه كافٍ عبدَه ما يسوؤه في دنياه ما دام أنه متصف بوصف العبودية له، فقال جل شأنه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}. وفي قراءة سبعية {عِباده}، ونحن نقول مؤمنين موقنين: بلى، إنه كافٍ وحامٍ وناصر عبده الذي عرفه حق معرفته وعبَده حق عبادته، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال له ربه سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال له: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وهو سبحانه ناصر عباده الذين عرفوه وعبدوه حق عبادته وهم الأنبياء والمؤمنون أجمعون، كما قال الله جل ذكره: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، فدخل في هذه الكفاية المؤمنون المتصفون بصفة العبودية لله رب العالمين، كما دلت عليه هذه الآية، وإذا كان وعد الله تعالى قد تحقق لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام، فإننا قد نستغرب تأخره أو عدم تحققه لكثير من المؤمنين، فما السر في ذلك؟ والجواب واضح أن هذه الكفاية مقيدة بوصف العبودية لله تعالى، وهو وصف عظيم لا يقف عند حدود الإيمان بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نبياً ورسولاً، بل أن تتحقق معاني العبودية وصفاً ومعنى، فيتفانى المؤمن في التقرّب إليه رغَباً ورَهَباً، ويمتلئ قلبه بتعظيم الله وإجلاله، وتعظيم أمره ونهيه، وتعظيم ما عظّمَه من أنبيائه ورسله، ويكون راضياً عن ربه في السراء والضراء، والعسر واليسر، والشدة والرخاء، ولا تكون له إرادة غير ما أراد الله تعالى له. فمن تحقق بهذه العبودية فلا ريب أن كفاية الله تعالى حاصلة له، فيكفيه السوء، ويكفيه الضر، ويكفيه الأذى، ويكفيه ما يهمه وما يغمه، ويكفيه أمر دنياه وآخرته، ويعيش عندئذٍ في حماية الله تعالى التي وعد بها عباده، ووعدُه سبحانه لا يُخلف، وحمايته لا تتخلف.
إذا علمنا ذلك فعلينا أن نسائل أنفسنا أين نحن من هذه العبودية التي أرادها منا مولانا ويُثيبنا عليها مثوبات جزيلة من الكفاية في الدنيا والسعادة في الأخرى؟ وسنعلم أن الواجب علينا أن نسعى إلى التّحقّق بها حساً ومعنى، قولاً وفعلاً واعتقاداً، حتى لا نعجب إذا لم نر الكفاية الإلهية تحمي المؤمنين مما ينزل بهم من بلاء ونقمة، ولا نعجب إذا كنا نرى أن دعاءهم لا يسمع، وضرهم لم يرفع، بل نلوم أنفسنا فقط، حيث لم نحقق معاني العبودية لله تعالى.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه