يريدونك أنت

عندما سألت أم أحمد – وهي في السبعين – عن أكثر ما تتمنى، أجابت ببساطة: «ألا أشعر بأنني عبء على أحد».

هذه الأمنية الصغيرة تختصر عالماً كاملاً من الممارسات والسياسات، بعضها خجول.

فمن جهة، نرى قوانين ومبادرات تُعلي من شأن كبار السن وتضعهم في مقدمة الأولويات.

ومن جهة أخرى، لايزال الشعور بالوحدة يتسلل إليهم من حيث لا ندري.

جاءت «السياسة الوطنية لكبار المواطنين»، التي أطلقتها وزارة تنمية المجتمع عام 2018، كإطار اتحادي يضم سبعة مسارات، تبدأ بالصحة وتنتهي بجودة الحياة، مروراً بالتواصل المجتمعي والاستقرار المالي والمشاركة المدنية.

في أبوظبي، وُلدت «بركتنا»؛ مبادرة تحمل في اسمها جوهر الفكرة.

تمنح الأسر ثماني ساعات من الرعاية المؤقتة أسبوعياً، وتسهّل حصول الموظفين على نظام عمل مرن لرعاية آبائهم، وتوفر وحدات سكنية مهيّأة داخل منازل الأبناء، وتحسينات منزلية لكبار السن، وتمدد القروض السكنية لخمس سنوات إضافية.

ودبي لا تكتفي بالخدمات الحكومية، بل توفر بطاقات خصم ومواقف مجانية، وعلاجاً طبيعياً في المنازل، وخدمة زيارات دورية.

كل إمارة - بطريقتها - قالت: كبار المواطنين مسؤوليتنا. لكن مهما تعددت الخدمات، سيبقى الفراغ على المائدة مؤلماً إن لم يملأه ابن.

القانون يحميهم، نعم.

لكن من يشاركهم فنجان قهوة الصباح؟

من يسمعهم وهم يكررون القصة للمرة العاشرة؟

من يُربّت على أكتافهم حين لا يقولون شيئاً لكن نظراتهم تقول كل شيء؟

ولأن القوانين والتسهيلات لا تكفي لإزالة أي شعور لا يرغبون فيه، هنا يأتي دور الأبناء والأسرة.. أن يكونوا معهم بأوقاتهم وقلوبهم.

هم كبارنا.. لا يريدون سوى ضحكات أبنائهم حولهم، وشعورهم بأنهم مازالوا مهمين.

وأخيراً، لا تثقلهم بهمومك ومشاكلك.

فهم أكثر رقة مما تظن، وأسرع تأثراً مما تتخيل.

مهما كبرت، ستبقى في أعينهم ذلك الابن الصغير الذي يخافون عليه من النسمة الباردة.

انقل لهم ما يُسرّهم، لا ما يُحزنهم.

الإمارات آمنة بنظامها، ومدنها، ومبادراتها، لكن كبار السن سيكونون أكثر أماناً حين يشعرون بأن أبناءهم بجوارهم.

هم لا يريدون كثيراً..

هم فقط يريدونك أنت.

* إعلامي وكاتب صحافي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة