مأساة غزة «عار على الإنسانية»
تناقلت وسائل الإعلام المختلفة وصف ملك بلجيكا لما يحدث في غزة فلسطين بأنه يُعدّ «عاراً على الإنسانية»، يعني أن الإنسانية برمّتها لَحِقها هذا العار المهين المعيب، لسكوتها عما يجري لشعب غزة من إبادة جماعية بسلاح النار وسلاح الجوع والخوف اللذين يفتكان به وهو في أرضه ودياره . هذا الشعب القليل العدد والمساحة تفتك به آلة الموت المتعدّدة بغير هوادة ولا ضمير، لا جَرَم أن الإنسانية قد انخلعت من كل من لم يُحرّك ساكناً لوقف هذه الإبادة، وفي المقام الأول الدول الفاعلة الغربية التي لم تكتفِ بالصمت المريب على خزيها الإنساني، بل تمادت في إمداد إسرائيل بالسلاح والحماية والرعاية، فأي إنسانية فيها وهي تتشدّق بحقوق الإنسان حينما تكون لها مآرب سياسية . هذه الإنسانية التي لم يكن لها أي حساب عند الحكومة الإسرائيلية التي ترفض كل دعوة إلى التهدئة، ورفع الحصار والكف عن القتل والدمار، بل إنها رفضت مطالب 25 دولة غربية، بإنهاء الحرب في غزة «فوراً»، لما أدركت أن معاناة المدنيين المهدّدين بالمجاعة بلغت مستويات غير مسبوقة . ومعلوم أن مثل هذا الطلب غير كافٍ، حيث لم يجد أذناً صاغية، وبإمكان هذه الدول الكثيرة والكبيرة والمؤثرة أن تفعل ما يكفي لإيقاف هذه الإبادة الجماعية، فبقي العار الذي عبّـر عنه ملك بلجيكا على جبين الدول المؤثرة وغيرها، إذ أين هي الإنسانية وهي ترى مثل هذا العار الذي لن يُمحى من تاريخها ما لم تقم بغسله بفعل ما يجب .
وها هي دولة الإمارات العربية المتحدة قد قامت بواجبها نحو هذه الكارثة الإنسانية التي سُميت بـ«العار على الإنسانية»، بما تقدّمه يوماً بعد يوم من مساعدات غذائية، من خلال برنامجها المتواصل (الفارس الشهم) الذي يُقدّم الغذاء والدواء عبر شحنات السفن الضخمة، والطائرات العملاقة، والمستشفيات المجهزة الحديثة لهذا الشعب المنكوب، والتي تقف على أهبة الاستعداد على مشارف غزة لإغاثة الغزّاويين، ولو سُمح لها بالدخول مباشرة لأطعمت شعب غزة بالكامل، غير أن الذي يُسمح بدخوله هو النزر اليسير، وإذا تجمع الناس لأخذ ما تيسر بادرتهم آلة القتل، فكأنها لا تسمح بشيء من دخول الأغذية إلا لتقتل من يقترب منها، فأي همجية أكثر من هذا؟ .
إن من يرى ويسمع ما يجري لهذا الشعب المحاصر في أرضه ثم لا يُحرّك ساكناً لا يحق له أن يتكلم باسم الإنسانية، وعلى الشعب الفلسطيني أن يقول ونقول معه: «حسبنا الله ونعم الوكيل» .
* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه