ابني لا يُجيد «العربية»

عائشة محمد سعيد الملا

في العديد من المدارس الخاصة التي تعتمد المنهاج البريطاني أو الأميركي أو غيرهما من المناهج الدولية، أصبح الأطفال يتقنون اللغة الإنجليزية بطلاقة، لكنهم يواجهون صعوبة متزايدة في استخدام اللغة العربية. هذا التحوّل قد يبدو طبيعياً إلا أن آثاره تتجاوز حدود اللغة لتلامس الفكر، والهوية، والانتماء. من الجدير بالذكر ما قالته وزيرة التربية والتعليم سارة الأميري: «اللغة ليست مجرد لغة، فهي هوية، وترسخ ديني، وانتماء للوطن». هذه الكلمات تؤكد أن اللغة العربية تتجاوز كونها وسيلة تواصل؛ فهي أساس الهوية الدينية والوطنية.

لقد أثبتت الدراسات أن اللغة الأم إذا لم تُدعَم بشكل فعّال فإنها ستتراجع لمصلحة لغة التعليم السائدة ، وهي الإنجليزية في حالتنا، وهو ما يُعرف بفقدان اللغة الأم. هذا التراجع لا يؤثر فقط في مهارات الطفل اللغوية، بل ينعكس أيضاً على تطوّره الأكاديمي والعاطفي والاجتماعي.

وعلى عكس ما قد يظن البعض، فإن التعلم بلغات أجنبية لا يؤدي بالضرورة إلى تقدم علمي إذا جاء على حساب اللغة الأم، بل إن إهمالها قد يضعف القاعدة التي ينطلق منها الطفل نحو اكتساب المعرفة. وللتوضيح لا خلاف على أهمية تعلّم اللغات الأخرى والاطلاع على المصادر الأجنبية، لكن ينبغي أن يكون ذلك بالتوازي مع ترسيخ اللغة الأم لا على حسابها، حيث تشير دراسات متعددة إلى أن الأطفال الذين يتقنون أكثر من لغة يُظهرون تفوقاً في مهارات التركيز، والذاكرة، وحل المشكلات، لكن عندما تتراجع العربية - لغتهم الأم - فإن الطفل يفقد فوائد التوازن اللغوي والمعرفي التي كان من الممكن أن يحققها من خلال تعدد اللغات.

أما من الناحية العاطفية، فإن الطفل الذي لا يستطيع التعبير عن نفسه بلغته الأم قد يشعر بالانفصال عن عائلته، خصوصاً عن الأجداد، ما يؤدي إلى ارتباك في الهوية، وتراجع في الثقة بالنفس، وضعف في الشعور بالانتماء.

وعلى الصعيدين الاجتماعي والثقافي، يواجه الأطفال ضعيفو اللغة العربية صعوبة في فهم الممارسات الدينية، والقيم الوطنية، والتقاليد المجتمعية، وقد ينشأ بعضهم كغرباء في أوطانهم دون ثقافة تربطهم ببيئتهم ومحيطهم وأقرانهم من مواطني الدولة.

في المقابل، فإن تعليم اللغة العربية إلى جانب التربية الإسلامية والتربية الوطنية يُعزّز الهوية منذ سنٍّ مبكرة، ويُرسّخ الاستقرار النفسي، ويدعم النجاح الأكاديمي على المدى البعيد، فالطفل الذي يتقن لغته الأم ينمو بثقة، ويشعر بانتماء عميق، ويفتخر بثقافته، ويكون أكثر استعداداً لمواجهة الحياة على المستويات الفكرية والنفسية والعقلية.

وهذا بدوره ينعكس إيجاباً على تماسك المجتمع وقوة وحدته وعمق ولائه، فالمجتمعات التي تحافظ على لغتها الأم تحافظ على ذاكرتها الجمعية، وتُنشئ مواطنين أكثر وعياً بهويتهم، وأكثر ارتباطاً بقضايا وطنهم، وأعلى قدرة على الإسهام في خدمته.

*عضو سابق في المجلس الوطني الاتحادي

 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر