نحن والذوق العام

الدكتور خالد الحضرمي

في زحمة الحياة اليومية قد نغفل عن تفاصيل صغيرة تصنع فرقاً كبيراً في جودة العيش المشترك. الذوق العام ليس مظهراً

فقط من مظاهر التهذيب، بل هو انعكاس حقيقي لرقي المجتمع ومدى احترام أفراده بعضهم بعضاً في أماكن مختلفة، فاللباقة في الحديث، واحترام النظام في الطوابير، والحرص على نظافة الأماكن العامة، كلها سلوكيات بسيطة لكنها تحمل دلالات كبيرة على وعي الإنسان وتربيته. يُعدّ الذوق العام أحد مظاهر الرقي الحضاري للمجتمعات، وهو مجموعة من القواعد غير المكتوبة التي تنظم سلوك الأفراد في الأماكن العامة وتعكس احترامهم للآخرين. ويتجلى الذوق العام في اللباس المحتشم، والحديث اللبق، وحسن التصرف في الأماكن العامة مثل الحدائق والمطاعم والمراكز التجارية. التمسك بالذوق العام لا يعني قمع الحرية الشخصية، بل هو توازن دقيق بين حرية الفرد وحقوق الآخرين في آن واحد، فعلى سبيل المثال من غير اللائق رفع الصوت في الأماكن الهادئة، أو إلقاء النفايات في الشوارع، أو الحديث الجانبي في دور السينما، أو ارتداء ملابس غير مناسبة في الأماكن العامة أو عدم التزام الرجال والنساء بالجلوس في الأماكن المخصصة لهم، وخاصة في المناسبات العامة أو في احتفالات تخريج الطلبة والأمثلة كثيرة ومتنوعة، فمثل هذه التصرفات تُعدّ مخالفة للذوق العام وقد تؤثر سلباً على صورة المجتمع وراحته. وفي السنوات الأخيرة، اهتمت بعض الدول بتشريع قوانين تحمي الذوق العام، حيث فُرضت غرامات على من يتجاوز هذه القواعد، وذلك من أجل تعزيز ثقافة احترام النظام والتقيد بسياسة المكان وقوانينه. إن غرس الذوق العام يبدأ من الأسرة، ويمرّ عبر المدرسة ويُعزّز في المجتمع وهو ليس مجرد التزام خارجي، بل سلوك ينبع من وعي داخلي بأهمية الاحترام والتعايش مع الآخرين بسلام واحترام الذوق العام، فالإنسان الراقي هو الذي يحترم المكان والزمان والناس من حوله، وليس الذوق العام رفاهية أخلاقية، بل ضرورة حضارية، ومجتمعاتنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى تعزيز ثقافة الذوق العام لمواجهة مظاهر الفوضى والتلوث البصري والسمعي في الأماكن العامة، فالمجتمع الراقي لا يُقاس فقط بالبنية التحتية أو بتنوع الكماليات أو بالمظهر الخارجي، بل بسلوك الناس فيه واحترامهم للذوق العام وعدم إيذاء الآخرين، ولعل أجمل ما قيل: «الأخلاق زينة الإنسان، والذوق العام زينة المجتمع».

*أكاديمي وباحث

@ Dr. Khaledali123. X.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر