الوقت والحياة

الدكتور خالد الحضرمي

في خضم الحياة اليومية وضغوطها المتزايدة، ننسى - في كثير من الأحيان - أن أعظم ما نمتلكه هو الوقت. وكما قال نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام في الحديث الشريف: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ». وهذه الحكمة الخالدة تُلخص واقعاً يعانيه كثيرون في عصر السرعة والانشغال الظاهري. فالوقت مثل النهر الجاري الذي لا يرجع، وعلى الرغم من تساويه بين الجميع يظل من أكثر الموارد إهمالاً عند كثير من الناس. فالوقت بطبيعته لا يمكن ادخاره، ولا استرجاعه، ولا شراؤه ولا إيقافه، ومع ذلك فإننا نُهدره كما لو أنه لا قيمة له، أو يمكننا تعويضه.

الكثيرون يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات في متابعة ما لا يفيد، أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها لساعات طويلة، أو في متابعة «التافهين»، أو في نقاشات عابرة لا فائدة منها، بينما يمكن لتلك الساعات أن تُستثمر في تطوير الذات، أو التقرب إلى الله، أو تعلم مهارة جديدة، أو الحصول على مؤهل دراسي جديد، أو تعلم لغة جديدة، أو حتى قضاء وقت حقيقي مع الأسرة. ومن المفارقات أن الجميع يشكون الملل، والكثيرون منا يتساءلون: ماذا أفعل؟ لدي متسع من الوقت، بينما الحقيقة أن لدينا كل يوم وليلة 24 ساعة كاملة، مثلما كان لدى عظماء التاريخ تلك الثواني والدقائق والساعات وحققوا للبشرية إنجازات عظيمة. فالطالب الذي يستغل وقت فراغه في المذاكرة، أو تطوير نفسه يسبق غيره، ومن يسعَ نحو تحقيق هدفه يتفوق على غيره، والفارق الوحيد هو في طريقة استغلالنا للوقت بما يفيد، فمن يشعر بالملل من المؤكد أنه لم ينظم وقته وجهده بالشكل الصحيح وفي المكان السليم.

ولابد أن نتفق على أن تنظيم الوقت ليس رفاهية، بل ضرورة حتى نستغل كل دقيقة من عمرنا في أعمال الخير والبر، وتطوير عقولنا وأنفسنا. وهذا من المؤكد أنه لا يعني أن نعيش حياة آلية، بل نضع لكل شيء وقته وحدوده وقيمته. فالكثير منا يجهل التفريق بين ما هو قيّم وغير قيّم، وعلينا أن نُوازن بين العمل والراحة، وبين الصالح والطالح، وبين المسؤولية والحقوق، دون مضيعة الوقت في ما لا نفع فيه.

إن إدراك قيمة الوقت بداية التغيير والانضباط الحقيقي في حياة أي إنسان، فحين نحترم وقتنا نُقدِّر أنفسنا، ونمنح حياتنا المعنى الذي نستحقه.

*أكاديمي وباحث

Dr. Khaledali123. X.com@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر