أسرة واعية.. مجتمع آمن
من يسقط في بئر الإدمان السحيقة بحاجة فقط إلى يد تمتد إليه لتخرجه، ويبدأ التعافي من الإدمان من لحظة إدراك الشخص أنه بحاجة إلى التغيير، والاعتراف بأن الاستمرار في سلوك الإدمان لم يعد خياراً.
تلك اللحظة، رغم بساطتها الظاهرة، هي بداية شاقة ومصيرية، تتطلب شجاعة كبيرة. ومن هنا تبدأ رحلة التعافي الحقيقية، حين يطلب الشخص المساعدة، ويخضع لتقييم متخصص، ثم ينخرط في خطة علاجية شاملة تشمل الجوانب النفسية والطبية والسلوكية، لكن التعافي ليس مجرد قرار فردي، بل هو مسار جماعي تدعمه الأسرة والمجتمع، فالدعم الأسري الواعي هو الركيزة الأولى لضمان الاستمرارية.. أسرة متفهمة لا تحكم بل تحتوي، وتعيد بناء الجسور مع المتعافي، تخلق بيئة آمنة ومحفّزة للثبات والتطور.
وفي المقابل، المجتمع مسؤول عن احتضان المتعافين، وتوفير فرص متساوية لهم للتعلم والعمل والحياة، وكسر وصمة الإدمان، وتوفير برامج تأهيل مهني، وخدمات متابعة نفسية مستدامة، وهذه كلها أدوات تسهم في منع الانتكاسة وتعزيز إعادة الدمج. وقد تجسدت هذه الرؤية من خلال مبادرات نوعية ومبادرات توعوية مدرسية ومجتمعية شاملة. ولكي تؤتي هذه الجهود ثمارها لابد من تكاتف الأسرة مع هذه المبادرات، جنباً إلى جنب مع دور القطاعات الحيوية في المجتمع، من الصحة والتعليم إلى الأمن والإعلام وسوق العمل، مع ضمان تدريب وتوعية كل من يتعامل مع المتعافين في المنزل، والمدرسة، والجامعة، ومقر العمل، وكل بيئة تسهم في متابعته واحتضانه.
فنجاح المتعافي لا يُبنى في العزلة بل في بيئة حاضنة تعزز ثقته بنفسه وتمنحه فرصة جديدة للحياة، ويصبح المتعافي، إذا وجد الدعم المناسب، عنصراً فاعلاً في نشر التوعية وبناء مجتمع متماسك.
إن بناء مجتمع آمن يبدأ من أسرة واعية. عندما تفهم الأسرة خطورة الإدمان وتتعامل معه كسقوط أو كبوة مفاجئة ومرض قابل للعلاج، وحين يحتضن المجتمع المتعافي بلا تمييز أو تهميش، يصبح التعافي ممكناً بل مستداماً، ولهذا لا يكفي أن نُعالج من الإدمان بل يجب أن نُهيّئ الأرض التي تمنع سقوطاً جديداً.
فالأسرة الواعية ليست مجرّد شعار، بل مفتاح لحياة كريمة، و«مجتمع آمن» ليس حلماً بل نتيجة لمسؤولية نتقاسمها جميعاً لتحويل المتعافين إلى قصص نجاح تُلهم الآخرين.
*خبيرة شؤون تعليم ومجتمع
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه