القروض وثقافة الاستهلاك

عائشة محمد سعيد الملا

نحن نعيش في مفارقة: غارقون في ثقافة استهلاكية مفرطة، على الرغم من أننا نغرق تحت وطأة الديون، فقد أصبح الاقتراض، سواء عبر بطاقات الائتمان أو القروض الشخصية أو خدمات «اشترِ الآن وادفع لاحقاً»، مثل «تمارا» و«تابي» أمراً طبيعياً، يُنظر إليه على أنه ضرورة يومية وحاجة ماسة، وفي بعض الأحيان ينظر إليه كنوع من «الذكاء المالي».

هذه الإشكالية على خلاف ما يظن البعض، ليست مقتصرة على محيطنا العربي أو الخليجي، بل هي ظاهرة عالمية، حيث تشير تقارير حديثة إلى أن مواليد 1996 فلاحقاً يحملون ما يزيد على 345 ألف درهم كمتوسط ديون شخصية، أكثر من نصفها بسبب بطاقات الائتمان، في حين أن 3% فقط منهم يمتلكون منازل. وتُعدّ خدمات «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» شائعة جداً عالمياً، حيث يستخدمها نحو 62% من الجيل ذاته، إذ يظن الشباب أنهم يحصلون على تلك الخدمات مجاناً إلا أنهم يفاجأون بوجود فوائد تظهر لاحقاً على خلاف أن كثيراً من المحال تقوم بزيادة رسوم بضاعتها في حين كان الدفع مقسطاً باستخدام تلك الخدمات، وفي كل الأحوال، ينعكس استخدام تلك الخدمات على الشباب بإفراطهم في الاستهلاك غير العقلاني.

ما السبب؟ وسائل التواصل الاجتماعي هي الدافع الأول، فهي تشجع أسلوب الحياة الفاخر، وتدفع الناس إلى الشراء بدافع المقارنة والظهور والوجاهة الاجتماعية وملاحقة صيحات الموضة والأكثر رواجاً «تريند». وقد أظهرت دراسة أُجريت عام 2020 أن الاستهلاك الاستعراضي يُعدّ دافعاً رئيساً للاقتراض، خصوصاً لمن يحاولون مواكبة الآخرين.

لكن الديون لا تؤثر في الأفراد فحسب، بل تُثقل كاهل العائلات، فالكثير من الآباء يضطرون إلى إنفاق مدخراتهم أو يواصلون العمل لفترات أطول، لدعم أبنائهم الذين تثقل كاهلهم القروض، وفي بعض الأحيان يضطر الآباء إلى الاقتراض لسداد ديون أبنائهم.

لقد أصبح الدَين منهج حياة لدى الجيل الجديد، لكن الوعي والتغيير الجذري ليسا ممكنين إلا عبر التعليم، والتوعية بالاستهلاك المعتدل والعقلاني، وحين نجد أن إنقاذ الجيل الحالي قد يستحيل إدراكه، فعلينا على الأقل أن نسعى إلى حماية الأجيال القادمة الصاعدة، وفي الختام أستشهد بكلمة والدي، رحمه الله، ليس الغني من يحظى بالمال أو الملك الوفير، الغني هو من بات غير مديون لأحد.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر