هل أصبح إنجاب الأطفال مجرد رفاهية؟
في عالم اليوم لم يعد إنجاب الأطفال يُنظر إليه كخطوة أساسية في الحياة، بل بات يُعتبر رفاهية لا يقدر عليها الكثيرون، فقد شهدت معدلات الخصوبة تراجعاً حاداً في العديد من الدول، والأسباب تتجاوز الجوانب البيولوجية بكثير.
تربية الطفل اليوم تأتي مع قائمة متزايدة من المتطلبات المالية والعاطفية والاجتماعية، فتكاليف المعيشة في ارتفاع مستمر من السكن والتعليم والرعاية الصحية إلى أبسط أشكال الحضانة، وكلها أصبحت أعباء ثقيلة على كاهل الأسر. وبالنسبة للأزواج الشباب، يبدو إنجاب أكثر من طفل خياراً شبه مستحيل في ظل هذه الضغوط وفي خضم تحديات التربية الحديثة التي باتت صعبة على الأسر في عالم مليء بالمتغيرات المتسارعة.
كما أن متطلبات الحياة العصرية زادت من التوقعات المرجوة تجاه الآباء، فلم يعد المطلوب فقط هو الإنفاق، بل أيضاً الرعاية المستمرة، والتعليم المبكر، وتوفير الترفيه والتوجيه العاطفي. ورغم أن هذا التوجه يحمل جوانب إيجابية، فإنه يزيد من الضغط على الوالدين الذين يحاولون التوفيق بين وظائفهم وحياتهم العائلية.
إلى جانب ذلك تلعب مفاهيم الحرية الشخصية ونمط الحياة دوراً في العزوف عن الإنجاب. كثيرون لا يرغبون في التضحية بالسفر أو الترفيه أو التقدّم المهني مقابل مسؤولية دائمة لرعاية الأطفال. وفي هذا السياق لم يعد يُنظر إلى الأطفال كمركز طبيعي للحياة الأسرية، بل كخيار يتطلب تضحيات مالية وشخصية عميقة.
في النهاية، المشكلة ليست في أن الناس لا يريدون الأطفال، بل في أن المجتمع الحديث جعل الرغبة فيهم مقرونة بالخوف والقلق. وإذا استمرت هذه الظاهرة فعلينا أن نسأل أنفسنا: ما نوع العالم الذي نعيش فيه حتى أصبحت تربية الأطفال بهذا القدر من الصعوبة؟
*عضو سابق في المجلس الوطني الاتحادي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه