العرف والعادة

الدكتور خالد الحضرمي

«المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً»، هي إحدى القواعد الفقهية التي ألفنا سماعها في المجالس العامية. ويعود أصل هذه القاعدة في التعاملات إلى زمن قديم، ويعدّ شرطاً صحيحاً، وإن لم يُذكر في العقد، ما دام لا يخالف نصاً شرعياً أو قانونياً.

لكن قبل الخوض في مسألة العرف والعادة والفرق بينهما، فإنه من المناسب أن نُعرّف العرف كأحد المصادر الرسمية أو الشكلية للقانون. فالعرف هو اعتياد الناس على نوع معين من السلوك، مع اعتقادهم أهميته وإلزاميته في آن واحد. ويجوز للقاضي اللجوء إلى العرف إذا لم يجد نصاً في أحكام الشريعة الإسلامية أو القانون.

وكأي فعل أو سلوك، لابد من تحقق الركنين المادي والمعنوي في العرف أيضاً، فالركن المادي يتحقق عند اعتياد الناس واطرادهم على اتباع سلوك معين، شريطة أن يكون هذا السلوك عاماً، يأخذ صفة العمومية ويتبعه معظم الناس، وأن يكون قديماً يتوارثه الناس منذ سنوات، وألا تخالف القاعدة العرفية النظام العام أو الآداب العامة في المكان الذي يطبق فيه هذا العرف.

ويتحقق الركن المعنوي هنا عند الاعتقاد بإلزامية هذا السلوك لدى الناس ووجوب احترامه، وأن يتولد لدى الأفراد الشعور بأن مخالفة هذا العرف قد توقع عليهم الجزاء. وللعرف مزايا عدة، منها أنه يتطور بتطور الزمن تبعاً لرغبات المجتمع واحتياجاته، دون أن يكون مفروضاً عليه.

وبالمقابل، هناك عيوب للعرف، منها أنه يكون غير مكتوب، ويصعب الاهتداء إليه، لاختلافه من منطقة إلى أخرى.

إذن، العرف يعدّ قانوناً عند من يمارسون عادات وطقوساً معينة بمرور الزمن، ولكن يبقى أن نتساءل عن الفرق بين العرف والعادة. وكما أسلفنا، فإن العرف هو اعتقاد الناس بإلزامية فعل ما، في حين تنشأ العادة دون الحاجة إلى اعتقاد الناس بوجوب اتباعها، ويكون التزامهم بالاتفاق عليها إما صراحة أو ضمناً، فالعادة لا تحتوي على الركن المعنوي مثلما هو العرف. إلا أنه مع تقدم الدول وتطور قوانينها، لم يعد للعرف مكان يذكر، إن صح التعبير، إلا في حدود ضيقة وفي مناطق أو دول تعيش على الأعراف لظروف معينة، وأصبح للقانون المكتوب الدور الأكبر في حل المسائل بين المتعاملين، بعيداً عن الأعراف والعادات.

*أكاديمي وباحث

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر