الراتب.. «المعادلة الصامتة»

عائشة محمد سعيد الملا

بدايةً، لا يخفى عليكم أن الجميع يعاني دراسة هذه المعادلة الصعبة، فهي ليست ثابتة، وعلى الرغم من أن الخبراء والمؤثرين يتحدثون عن هذا الأمر في وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة، إلا أنهم، للأسف، لا يراعون اختلاف الدخل والظروف عند الناس، فيعطون نصائح غير واقعية إلى حدٍّ ما: ادخر النصف، ادخر الثلث.. فمن يُولد وفي فمه ملعقة من ذهب ليس كغيره.

ومن ناحية أخرى، فإن الكل يعاني عدم كفاية الراتب، لأننا نقوم بالصرف حسب مدخولنا ورغباتنا، وليس حسب حاجاتنا الأساسية الفعلية، وأمّا الأشخاص الذين يكفيهم الراتب فهم قلّة، وأغلب الذين لا يشكون هم أشخاص قاوموا ظروف المعيشة الصعبة بالصمت، بعيداً عن الشكوى.

لماذا بتنا نشكو ضيق المعيشة وقلة الراتب مع أن المدخول قد يزيد بعد فترة من الفترات؟ بالطبع، لغلاء الأسعار والتضخم دور، ولكن الجواب لا يختبئ في تلك التفاصيل، بل في عاداتنا. نحن نشتري أكثر مما نحتاج؛ عروض «اشترِ واحداً واحصل على الآخر» تُغري جيوبنا قبل حاجاتنا، فتغصّ البيوت بملابس وأجهزة وحاجات لا يزيدها الزمن إلا غباراً.

ثمّة ترفٌ تسلّل إلى أبسط تفاصيل يومنا: اشتراكات بثّ لا تنتهي، قهوة مختصّة كل صباح، رحلات قصيرة تلتقطها الكاميرا قبل أن تلتقطها الذاكرة. ما كان يُعدّ مكافأة موسميّة صار بنداً ثابتاً يُخصم من الدخل بشكل مستمر.

وكلما صعد الراتب درجةً، صعدت المصروفات سلّماً كاملاً. نبدّل الأثاث بأجدد، والسيارة بأحدث، ونظنّ أن الرفاه دليل نجاح. لكن الإنفاق المتضخّم يلتهم مكاسب الزيادة، فيبقى صافي الثروة عند النقطة نفسها لا يتغيّر.

الادّخار؟ مؤجَّل إلى «وقتٍ أنسب». لا صندوق طوارئ، لا استثمار للمستقبل، فقط أملٌ شفهيّ بأن الأمور ستتحسّن من تلقاء نفسها. غير أن المصائب لا تنتظر جدول رواتبنا، فنفاجأ أحياناً بظروف قاهرة تهدم كل آمالنا وطموحاتنا.

الحلّ ليس معقّداً: ادفع لنفسك أولاً. اقتطع نسبة ثابتة، ولو ضئيلة – مثلاً 5% – فور استلام الراتب، ودَعْ مصروفاتك تتكيّف مع الباقي. ضع أهدافاً مالية مكتوبة، وراقب تقدّمك بعين لا يخدعها البريق الاستهلاكي.

حينها فقط، ستكتشف أن الراتب، مهما بدا ضئيلاً، قادرٌ على أن يعمل لمصلحتك بدلاً من أن يعمل ضدك. استخدم حصالة، سواء ملموسة أو إلكترونية، لتحفظ فيها هذه الأموال المدخرة، وأنشئ حصالات لأبنائك ليدخروا للمستقبل، وعلّمهم ثقافة الادخار منذ الصغر.. لمصروفات الجامعة مثلاً! استخدم تطبيقات متابعة الاستهلاك، فبعض المصروفات تدعم هذه الخاصية بالفعل.

*عضو سابق في المجلس الوطني الاتحادي

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر