كبارنا.. بركة الدار وجذور القيم

الدكتورة سميرة النعيمي

شخصية الإنسان هي أغلى ما يملكه، فهي لا تُمنح، بل تُبنى وتتطور عبر مراحل حياته المختلفة، وخاصة في بداياتها.

هذه الشخصية تتشكل من القيم التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، الذين طبعوا فينا بصمات لا تُنسى في السلوك، وقدّموا نماذج تُحتذى في الاحترام، وغرسوا فينا مبادئ لا تُقدّر بثمن.

يمتاز مجتمع الإمارات بتمازج فريد بين الأصالة والمعاصرة واستشراف المستقبل، حيث لا تتعارض الجذور مع الطموحات، بل تشكّل قاعدة متينة ننطلق منها نحو آفاق المستقبل. وكلما تعمقنا في جذورنا، زاد ثباتنا وارتفع سقف رؤيتنا وتطلعاتنا. وما يجعل هذه الجذور أكثر سحراً، هو أنها لا تُورّث عبر وثائق أو كتب، بل من خلال القدوة الحيّة.

القدوة التي تغرس القيم من أبسط المواقف إلى أعظمها. فترى الأب البسيط لا يرفع صوته، لكنه يُعلّمنا الصبر بأفعاله، واصطحاب الأبناء معه إلى مجالس الرجال، وتشجيع تداول مقولات الحكمة والأمثال، وترى الأم البسيطة وإن كانت لا تلقي المواعظ، لكنها تزرع الكرم بيدها الممتدة للخير. هذه المواقف وغيرها هي ما يصنع الشخصية.

قد يظن بعضهم أن الأفعال اليومية التي قد تبدو بسيطة، كاحترام الكبير، ومظاهر الحياء، والاهتمام بالجار، وأسلوب الكلام، وطريقة الجلوس، أو حتى طريقة تقديم القهوة، هي تفاصيل هامشية، لكنها في حقيقة الأمر جواهر ثمينة تعكس جوهر الهوية وروح الانتماء.

كثير من شباب اليوم يعزون حسن أخلاقهم إلى «الفطرة»، ولكن الحقيقة أن هذه «الفطرة» قدّ صاغتها القدوة، ورسّختها التجربة، وغذّاها الوقت الذي قضيناه مع أهلنا.

ونحن بدورنا لا يكفي أن نظهر الاحترام لكبار السن، واعتزازنا بجواهر حكمتهم تلك.. بل يجب أن نعلّم أبناءنا لماذا نفعل ذلك. نقل القيم للأبناء ليس عملية نمطية تأتي تلقائياً، بل جهد مدروس ومسؤولية واعية.

وجود كبارنا بيننا اليوم هو نعمة، وهم بركتنا التي تعزز ما نرجوه من استمرارية الأصالة والقيم. فمن خلالهم نرى ماضينا المشرّف، ونستشرف مستقبلنا الزاهي.

وقد أدركت قيادتنا الرشيدة عمق هذه المعاني حين أطلقت مبادرات مثل «بركتنا»، التي تهدف إلى رعاية كبار المواطنين، ليست فقط بخدمات وتسهيلات، بل باعتراف رسمي بأنهم الذاكرة الحية والمرآة التي نبصر بها أنفسنا، وهي رسالة واضحة بأن رعاية كبارنا ليست واجباً فحسب، بل وفاء وجزء أصيل من هويتنا الوطنية.

خبير شؤون تعليم ومجتمع

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر