النية الطيبة لا تكفي

مازلتُ أتذكّر ذلك اليوم وكأنّه البارحة.. صوت ضربات قلبي وأنا أستعد لاستلام 300 درهم، جائزة حفظ جزء من القرآن في أحد مراكز الشيخ زايد لتحفيظ القرآن الكريم المنتشرة بمساجد الدولة، مبلغ كبير لطفل في التاسعة، وكان بيني وبين أبناء الحي سباق نبيل: من يحفظ أكثر؟ من يستحق المكافأة؟

كنا نعيش زمناً نقياً، نعرف من يعلمنا، ونعود من المساجد نحمل نوراً حقيقياً.

أما اليوم، فتغيّر كل شيء.

العالم صار أضيق من شاشة، وأوسع من قدرتك على السيطرة.

أبناؤك أمامك.. لكن عقولهم تتنقّل في عوالم لا تراها. يدخل عليهم من يدّعي تفسير الأحلام، أو تحفيظ القرآن، أو تعليم اللغة.. فتُبقيه في بيتك وأنت تردد: «شكله طيّب»، وما هو بطيّب.

في بيتٍ ما، جلست أمٌّ في الغرفة المجاورة تسمع ابنها يردد آيات القرآن مع معلّمه عبر الإنترنت.

ابتسمت واطمأن قلبها.

لم تكن تعلم أن بين تلك الآيات، حُقنت كلمات لا تشبه الدين.. ولا تشبه الوطن.

تمنّي الخير لا يعفيك من سوء التقدير.

الذين تظنّهم نوراً، ما هم إلا انعكاس فلتر ومونتاج.

خلف الكاميرات.. هناك من ينتظر لحظة غفلتك، لينهش عقيدة ابنك، ويغرس في عقله أفكاراً لا تشبه هذه الأرض، ولا رائحة المساجد.

والأسوأ، أنك أسهمت في ذلك بنيّتك الطيبة.

ونسيت الآية: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾.

في عام 2013، تصدّت دولة الإمارات لخلايا خبيثة حاولت التسلل إلى النسيج المجتمعي، وتمكنت الجهات الرسمية من القبض عليهم وتفكيك محاولاتهم البائسة.

لكن تحييدهم في ذلك الوقت لا يعني زوالهم.

فهم مثل الفيروسات.. يتحورون، ويتخفّون، ثم يعودون بأقنعة جديدة.

وفي الكويت، سنة 2020، جُنّد طالب مراهق عبر لعبة إلكترونية.

ظن أن مَن يحدثه «أخ» ينصر الدين، فإذا به يبايع «داعش» ويخطط لهجوم إرهابي.

نواياه كانت طيّبة.. لكن فكره اختُطف.

ولولا يقظة الأمن، لاهتزّت البلاد على يد طفل.

تريد تطعيماً حقيقياً؟

اقضِ وقتاً مع ابنك.

حادثه، لا تُحاكمه.

ارفع عينك عن هاتفك، وحاور عقله وقلبه.

قُرب الأب خير لأبنائه من ألف بث مباشر على التيك توك.

ووقت تقضيه الأم مع ابنتها.. أحن من ألف شخص خلف الشاشة.

فالنية الطيبة.. لا تحمي وطناً ولا تربي جيلاً ولا تُطفئ ناراً أشعلها الجهل بثوب التقوى.

*إعلامي

@alzarouni X.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة