الإمارات وتصفير البيروقراطية

أحمد أميري

على مدى العقود الماضية، أثبتت الإمارات أنها ليست مجرد دولة تطمح إلى التقدم، بل تسابق الزمن لصناعته. وبينما لاتزال دول عديدة تتصارع مع تعقيدات الإجراءات الحكومية وبطء الخدمات، تبنّت الإمارات توجهاً طموحاً نحو حكومة بلا بيروقراطية، حيث أطلقت مبادرة «تصفير البيروقراطية»، لإزالة العقبات غير الضرورية، وتبسيط الإجراءات الحكومية، لتكون أكثر سرعة وكفاءة. الفكرة لم تكن فقط في تقليل المعاملات الورقية، بل في تحويل الخدمات الحكومية إلى تجربة سلسة وخالية من التعقيد، تتيح للناس التركيز على حياتهم وإنجازاتهم، بدلاً من إضاعة الوقت في طوابير الانتظار والإجراءات الطويلة.

لم يكن هذا التوجه مجرد شعار، بل تحول إلى استراتيجية عمل واضحة، تم تنفيذها عبر خطوات مدروسة. تمت مراجعة آلاف الإجراءات الحكومية، وإلغاء المتطلبات غير الضرورية، كما تم الاعتماد بشكل أساسي على البيانات الذكية، بحيث لم يعد المواطن أو المقيم بحاجة إلى تقديم المعلومات ذاتها في كل معاملة، بل أصبحت الجهات الحكومية تتبادل البيانات فيما بينها تلقائياً. كما تم تسريع عملية الأتمتة، فأصبحت معظم الخدمات متاحة عبر التطبيقات الذكية، ما جعل إنجاز المعاملات لا يتطلب زيارة أي مركز خدمة، بل يتم بضغطة زر. إضافة إلى ذلك، تم تقليل عدد التواقيع والموافقات الإدارية المطلوبة لإتمام المعاملات، بحيث لا يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى إلا إذا كان ذلك ضرورياً فعلاً.

وعند مقارنة الإمارات بدول أخرى، نجد أنها تقدمت بشكل كبير في مجال الحد من البيروقراطية، حيث أصبحت في صدارة الدول عالمياً من حيث كفاءة الخدمات الحكومية. في الوقت الذي لاتزال فيه بعض الدول تعتمد على الإجراءات الورقية والتعقيدات الإدارية، نجحت الإمارات في بناء نموذج متكامل يعتمد على الابتكار والمرونة، ما جعلها مثالاً يحتذى في سرعة الإنجاز الحكومي. أثر هذه المبادرة كان واضحاً في حياة الناس، فسواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو حتى زواراً للدولة، أصبح الحصول على الخدمات الحكومية أكثر سهولة من أي وقت مضى. لم يعد تجديد الإقامة أو استخراج الوثائق الرسمية أو حتى تأسيس الشركات الناشئة أمراً يتطلب أياماً أو أسابيع، بل دقائق معدودة عبر الهاتف الذكي.

ورغم كل هذا التقدم، يبقى الوصول إلى «تصفير البيروقراطية» بشكل كامل تحدياً مستمراً، يتطلب مواصلة الابتكار، ومراجعة الإجراءات بشكل دوري. ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، قد نشهد قريباً مرحلة جديدة تصبح فيها الحكومة الإماراتية نموذجاً عالمياً لحكومة بلا إجراءات معقدة، حيث يتم إنجاز أي معاملة بضغطة زر، بلا أي متطلبات إضافية. اليوم، في الإمارات لم تعد «تصفير البيروقراطية» مجرد فكرة طموحة، بل أصبحت واقعاً ملموساً يجعل الحياة أسهل وأسرع، ويعيد تعريف مفهوم الحكومة الذكية عالمياً.

ahmad.amiri1@outlook.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر