استعراض الأطفال رقمياً

في إطار نقاش مع صديق أخصائي بعلم نفس الأطفال حول سبل التربية الصحيحة، والمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الأبناء في سن مبكرة، قال بكل حسم: «من واقع خبرتي الكبيرة بهذا المجال يقع كثيرون في خطأ فادح بنشر صور أطفالهم بمنصات التواصل الاجتماعي بداعي التفاخر والمباهاة، وتصل السذاجة بالبعض إلى نشر صور غير مناسبة لأبنائهم».

دراسة مهمة أجرتها شركة كاسبرسكي المتخصصة بالأمن السيبراني، حذرت مما يعرف بـ«استعراض الأطفال رقمياً»، والمقصود بالمصطلح مشاركة صور الأطفال بالتواصل الاجتماعي، وتوثيق تفاصيل حياتهم، بداية من الخطوات الأولى عند تعليمهم المشي ورحلاتهم ومدارسهم وعطلاتهم، وإنجازاتهم وعلاقاتهم. وبحسب استبيان فإن أكثر من 73% من الآباء يفعلون ذلك، و33% منهم لم يطلبوا الإذن من أطفالهم قبل النشر، وهذا أمر له تبعات خطيرة، فأنا شخصياً شهدت جدالاً بين طفل لم يتجاوز العاشرة ووالده بسبب إصرار الأخير على نشر فيديوهات للابن دون استئذانه، وفيما برر الأب تصرفه بالتباهي بابنه، لم يكن الأخير راضياً عن طريقة ظهوره وشكله بالفيديو، ما كان له تأثير سلبي على نفسيته.

وعن المخاطر حدث بلا حرج، إذ يؤكد خبراء الأمن السيبراني أن الإفراط باستعراض الطفل رقمياً ينشئ له ما يعرف بالبصمة الرقمية، ويجعله عرضة لجرائم عدة، كفقدان الخصوصية، والاحتيال المالي، أو تزوير هويته، واستخدامها لاستدراج أطفال آخرين لجرائم أكثر خطورة.

ما لا يدركه هؤلاء الآباء أن هناك نفوساً ضالة تهيم بالفضاء الإلكتروني لاصطياد الأطفال، ومن الوارد - بحسب الخبراء - أن الصور التي ينشرونها قد تتضمن معلومات تسمح للمتحرشين بتتبع أطفالهم.

دولة الإمارات توفر جداراً لحماية أطفالنا، سواء من خلال أجهزة أمنية متخصصة أو قوانين رادعة، من بينها قانون الطفل أو قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية الذي ينص على تجريم حيازة مواد مخلة لأطفال أو التعرض لهم بأي شكل من الأشكال، لكن تظل هناك مسؤولية تقع على عاتق الآباء وواجب أخلاقي يلزمهم بعدم تسليع أبنائهم أو استعراضهم رقمياً بصورة تُعرّض أمنهم وخصوصيتهم للخطر.

*محكم ومستشار قانوني

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة