تنين ونمور آسيا

فيصل محمد الشمري

إن الشراكات الاستراتيجية والصداقات بين الأمم تعكس بعداً حضارياً مهماً، وترسخ قوة ناعمة مؤثرة لا يكون عمق تأثيرها في أوقات الأزمات فحسب، بل يبرز عند مناقشة قرارات أممية عالمية من سلم، أو تحديات مناخية، أو حتى جوائح فيروسية. كما ترسخ هذه الشراكات العلاقات الدبلوماسية والتجارية الاقتصادية، ولعل من بوادر متانة العلاقات: الابتعاث العلمي والتبادل الثقافي والمعرفي. ولربما يكون الحديث «اطلبوا العلم ولو في الصين» منسوباً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلا أن دلالاته الثقافية والعلمية ترمز إلى مكانة العلم، والدور الحيوي لخلق توازنات بشرية تعزز التبادل المعرفي العلمي وحتى الاقتصادي. إن رمزية التنين في الثقافات الآسيوية لها دلالات مركبة، كما أن مصطلح «نمور آسيا» يرمز إلى دول واقتصادات آسيوية عدة.

تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى كوريا الجنوبية تلبية لدعوة الرئيس يون سوك يول، لتطوير الشراكة الإماراتية الكورية، كما أن زيارة سموه للصين تصاحب ذكرى مرور 40 عاماً على العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والصين. ولعل الكثير منا يتذكر أنه، ومع بدايات جائحة «كوفيد-19»، لم ترسل قيادة دولة الإمارات طائرة لإجلاء الطلبة والمبتعثين والمسافرين العرب والمسلمين من هناك لولا وجود علاقة استثنائية بين القيادتين، كما أن القفزة العلمية الكبيرة والتعاون المتميز في إجراء أبحاث على تحورات الفيروس، بتبادل معرفي فوري، درس عملي في أهمية هذه العلاقات الاستراتيجية، وتوجيهها لمصلحة الإنسانية جمعاء.

كما لم يستطع أحد في العالم أن ينافس التنين الصيني في سرعة الاستجابة، والقدرة على تصنيع وتوفير كميات كبيرة من مواد تعقيم وأدوات سلامة فردية، مثل الكمامات والتجهيزات الطبية، في وقت كانت فيه الإمارات قلب الإمداد اللوجستي والشريان النابض لمد يد العون للعديد من الأمم والدول الشقيقة والصديقة، وحتى تلك التي لجأت لطلب المساعدة من باب الأخوة الإنسانية.

إن التاريخ يعطينا من العبر والدروس ما يستوجب علينا أن نتفكر بأهمية مغزى ومعنى الصداقة، وضرورة تعزيزها، فهي الجانب الإنساني البعيد عن المادية الصرفة. والحكمة ألا نقتصر على استخدام الأدوات التجارية والاقتصادية كدلالة على تطور العلاقات، ولا يمنع أيضاً من إدراك أهمية هذه الأدوات كمؤشر له دلالات مركبة. وليكن نبراس مسارنا وخريطة الطريق إلى مئوية الإمارات، جهود قيادتنا الحثيثة لطلب العلم والمعرفة، وتعزيز مكانة الوطن وشراكاته.

*مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر