لم ينطفئ «ضي الحروف»

إبراهيم استادي

كثير من الشعراء والفنانين والمبدعين يرحلون عن عالمنا، وقد نتأثر برحيل بعضهم نتيجة لما تركوه من أثر في حياتنا وفي الذاكرة الجمعية للمجتمعات، لكن ليست كل الشخصيات سواء. فعندما ترجّل «البدر» عن عرش الشعر واختاره الباري ليكون بجواره، كان وقْع رحيله واضحاً على المجتمعات الخليجية والعربية، ومستوى المدونات التي نشرت عنه في مواقع التواصل الاجتماعي تجعلك تشعر وكأن البيت الخليجي فقد جزءاً منه.

الأمير بدر بن عبدالمحسن لم يكن شاعراً عادياً، فكلماته عبرت عن لسان حال كل منّا، في مراحل حياته المختلفة، وكان رحمه الله قادراً على التعبير عن أكثر الحالات الإنسانية خصوصية بشعره، وكأنه يعلّمك كيف تعبر عن شعورك الذي يستعصي عليك تفسيره، حتى وإن كنتَ تختبر مشاعر جديدة وتمر بحالة للمرة الأولى، ويرسم لك الكلمات التي تترجم فرحك وغربتك وحزنك وعزة نفسك. ومن دون أن يعرفك شخصياً ينجح كل مرة في ملامسة منطقة دقيقة في قلبك وعقلك وروحك قد يطول عليك شرحها إن حاولت، فيضعها لك في بيت أو بيتين بكلمات قليلة كافية لتشخيص وضعك.

عقل وقلب واحد كانا قادرين على إنتاج فسيفساء من الأبيات والقصائد الملونة على مدى سنوات طويلة، وكأنه بئر كلمات ومشاعر وفكر لا تنضب، وحتى مع رحيله فإن هذه البئر لن تجف، ونستطيع أن نستسقي منها ما أردنا من كلمات وثّقت حقبة إنسانية مهمة في تاريخ الخليج العربي، وأوصلها إلى العالم العربي أهم الأصوات العربية الغنائية التي تغنت بشعره، وكان اسمه إضافة لها ولمسيرتها الإبداعية. أما هذا الفقدان الذي شعرنا به فما هو إلا نتيجة قرب كلماته منا التي حفرت في قلوبنا وعقولنا وشكلت جزءاً من بنائنا الوجداني، وما استطاع رحمه الله أن يحقق ذلك إلا بصدق قلمه، وعمق فكره الإنساني.

قد يغيب عن كثير منا أيضاً أن «البدر» كان عاشقاً للرسم، ولديه مجموعة كبيرة من اللوحات التي شاركها مع الجمهور من خلال المعارض الفنية المختلفة، وكرّمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في اليوم العالمي للشعر، تقديراً لإسهاماته في عالم الثقافة والفن والشعر لأكثر من 40 عاماً.

رحم الله الأمير بدر بن عبدالمحسن، عَلَم من أعلامنا الثقافية التي سيظل اسمها خالداً في أكثر صفحات تاريخنا الثقافي إشراقاً، وعلى عكس ما قاله في قصيدة المسافر، أقول: «لم ولن ينطفئ ضي حروفك يالبدر».

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر