عباءة الدُّري

إبراهيم استادي

لا يغيب عن ذاكرتي مشهد من مسلسل «ثمن عمري» للكاتبة فجر السعيد، الذي مثله الفنان المبدع أحمد إيراج والفنانة الراقية والمحترمة هبة الدري، وكان يجسّد لحظة الخطيئة التي وقعت بين الشخصيتين، ولكي تصل الرسالة إلى المشاهد، اكتفت الكاتبة، وكذلك المخرج عبدالله البراك بتصوير لقطة لسقوط عباءة الممثلة على الأرض فقط، ومن دون أي تلميح وابتذال، وصلنا المعنى بكل قوة وعمق وإبداع في الطرح، وكان رمزاً ذا دلالة عظيمة على المساس بالعرض وتشويه العفة.

أُنتج هذا العمل في عام 2002، عصر الفضائيات الذهبي والعالم منفتح على بعضه، والإنترنت موجود في كل منزل ومقهى، لكنني لا أذكر أنني قرأت مقالة انتقاد واحدة للمشهد في الصحافة ولا في المنتديات، ولم يثر المجتمع ضد القصة أو الأسلوب الفني الذي اتبعه كل من الكاتبة والمخرج والممثلين في إيصال المعنى، ولم يقل أحد بأن هذا العمل «لا يمثل مجتمعنا الخليجي».

إذاً لماذا يغضب الناس اليوم عندما تطرح قضايا شبيهة في الدراما الخليجية؟ ولماذا يقوم بعض الفنانين - دفاعاً عن أعمالهم - باتهام المجتمع بأنه متناقض ولا يقبل أن يشاهد عيوبه على الشاشة؟!

من وجهة نظري، الكثير من الأعمال الخليجية سابقاً لم تواجه انتقاداً لاذعاً من الجمهور، لأنها ببساطة كُتبت بلغة فنية عالية احترمت البيت الخليجي بكل فئاته العمرية، وكانت أكثر القضايا حساسية تطرح بأسلوب راقٍ يجعل المشاهد يحترم العمل والفنان، وهذا دليل بأننا لسنا متناقضين ولا ننكر عيوبنا ومشاكلنا، ولكننا أهل «حياء وستر»، وهذه سمة متأصلة فينا كخليجيين مهما بلغت أخطاؤنا وعيوبنا.

لست أطالب بأن تكون الأعمال مثالية ومدرسية، فأنا أؤمن بالتنوع الفني وأؤيد الجرأة في الطرح، ولكن لكل مقامٍ مقال، توجد اليوم منصات رقمية تستطيع أن تنتج لها ما تشاء من محتوى، ومن خلالها يستطيع رب الأسرة التحكم في ما يشاهده أفراد عائلته، ولكن عندما تنتج عملاً للتلفزيون وتحديداً لشهر رمضان المبارك فعليك أن تدرك بأنك تدخل جميع البيوت بدون استئذان، ولابد هنا أن «تصحّي» ضميرك الفني وتراعي مناقشة المواضيع الحساسة في حدود اللباقة والأدب.

لا تشككوا المجتمع بنفسه وبأنه مزدوج المعايير لأنه يرفض نشر غسيله بصورة سطحية على القنوات التلفزيونية، نحن مجتمع لديه خصوصية ومن حقه الحفاظ عليها حتى في الأعمال الفنية.

إذا كان إسقاط العباءة «رمزياً» كفيلاً بإيصال أقوى الرسائل، لماذا تصرون «واقعياً» على إسقاط العباءات؟!

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر