أثر الصوم

العبادات التي شرّفنا بها ربنا سبحانه وتعالى، لها آثار سلوكية إيجابية هي من مقاصد تشريع الله تعالى لها، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، لأن المسلم يتذكر كل وقت من الأوقات الخمسة أن له رباً يراقب سلوكه، فلا يقع في محظور ولا يقصر في واجب، فهو دائم الصلة بربه عند كل تغير للزمان الذي قد يكون له تأثير في سلوك المرء، فضلاً عن النوافل التي يتبتّل بها لربه سبحانه.

والزكاة كذلك، لها أثر كبير في نفس المسلم، حيث تزكّيه من آفة الشح والبخل، كما أن لها أثراً في المجتمع حوله، حيث يسعد بإسعادهم مما أفاء الله تعالى عليه، ويأمن غائلة الفقراء. والحج كذلك، له أثر في سلوكه، حيث يتربّى به على عدم الرفث والفسوق، مع شدة الزحام الذي قد يكون باعثاً للمرء على التفريط في سلوكه الحسن.

أما الصيام فأثره عظيم في سلوك المرء، حيث يتربّى فيه على مكارم الأخلاق والتنافس في العبادات والمسارعة إلى الخيرات، فقد ظل في حِمى الصوم شهراً كاملاً، لا يرفث ولا يصخب ولا يجهل على أحد، ويظل في ديوان المراقبة لله تعالى ليله ونهاره، يبتغي رضوانه والفوز بجائزته سبحانه، بالمغفرة التامة والعتق من النيران، ويبتغي الفوز بإدراك ليلة القدر بعمل صالح فيغفر له ما تقدم من ذنبه، ويكسب فيها من الأجر أفضل من عمل في ألف شهر. وهذه المراقبة الذاتية التي لا يطلع عليها إلا المولى سبحانه، تؤثر في سلوك المسلم تأثيراً عجيباً، فتجعله صائم الدهر عن كل ما يخالف أمر الله تعالى ونهيه، وتجعله زاكي الأخلاق عُمْرَه، لأنه قد انطبع بذلك السلوك الأخلاقي الذي يحبه الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل ما يجده في ميزان حسناته، كما صح في الحديث: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء».

وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أحبكم إلى الله وأقربكم مني أحاسنكم أخلاقاً».

إذا علمنا ذلك فعلينا الحرص على استبقاء هذا الأثر السلوكي في حياتنا، حتى نعلم أن صيامنا كان في محل القبول عند الله تعالى، لأنه قد ورد عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، قوله: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

اللهم حققنا بأثر الصوم.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة