الوصية الاختيارية أعظم أجراً

الشريعة الإسلامية شريعة حياة دينية ودنيوية، جاءت لتعمر الدين والدنيا على وجه الدوام والاستمرار، فما من سبيل يمكِّن المرء من الحياة الكريمة إلا شرعته، فجعلت المال دُولة بين الناس بطرق التملك بالانتفاع توارثاً أو وقفاً أو وصية أو هبة أو صدقة أو تبرعاً، فضلاً عن التداول التجاري بيعاً وشراء ونحو ذلك، كل ذلك ليعيش الخالف كما عاش السالف، وحدّت لكل نوع من هذه الأنواع وغيرها حدوداً تستضيء بها البشرية، فتعيش على بصيرة وهدى.

ولما كان انتقال المال من السلف إلى الخلف مما تتشاحُّ فيه النفوس، كان لابد أن يكون بطريق يُذهب وغَر الصدر ويطيب للآخذ والباذل، لذلك ندب الله تعالى عباده إليها ليقدموها طيبة بها نفوسهم، لتكون قربى جليلة يتقربون بها إليه، فلعلها تكون منجية للمرء «فكل امرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس»، «واتقوا النار ولو بِشق تمرة والقليل من الصدقة»، لذلك حث ربُّنا سبحانه العبادَ على أن يتداركوا أنفسهم بمثل هذه الوصايا والصدقات على المحرومين من الإرث لتكون صدقة لهم بصلة أرحامهم، وعطفاً على المحتاجين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تصدق عليكم، عند وفاتكم، بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم».

وقد كانت الوصية فريضة للوالدين والأقربين، ليكسب الموصي الأجر ولابد، إلا أن هذا الفرض نُسخ بآية المواريث، ليبقى التنافس في الخير بالوصية لغير وارث وبنسبة قليلة حددتها السنة المطهرة لا تزيد على الثلث، لتكون من سعيه وعمله، فينال أجرها ويصل أرحامه بها، لا أن تؤخذ قسراً فلا يطيب بها الوارث ولا يهنأ بها الآخذ، إلا أن شح النفوس والغفلة عن التنافس في الخير جعلا المشرّع القانوني يوجبها للأحفاد والأسباط سياسة شرعية يحقق بها التواصل الرحمي والتعايش الاجتماعي.

وهذا هو أقل أحوال الوصية. أما أكملها فأن لا يقتصر بها الموصي على أقاربه، لاسيما إن كانوا مياسير، بل يوسّع بها على نفسه، ويقدم من ماله ما شاء لآخرته من وصايا في عموم الخيرات والمنافع، وللمحرومين من الميراث بسبب اختلاف الدين، فضلاً عن الأوقاف التي ينجزها في حياته والصدقات.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

قراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة