البيئةُ أمانةٌ حمَلها الإنسان

الأمانةُ تعني أن على واضع يدِه عليها الحفاظ عليها حتى يسلِّمها لمستحقها، لذلك كان حملها ثقيلاً؛ لأن وراء حملها مسؤولية الأداء، وإلا كان مُفرِّطاً وسيُسأل عن تفريطه، والأماناتُ أنواعٌ كثيرة؛ فالصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والدِّين كلُّه أمانة، وحقوق الناس أمانة، والحفاظ على البيئة أمانة كذلك؛ لأن البيئة جعلها الله تعالى حقاً لجنس الإنسان كله، ولكل من له حق الحياة من حيوان ونبات.

ومن مقتضيات هذه الأمانة أن يُحافَظ عليها كما تجب المحافظة على ما يملكه الإنسان لنفسه، وقد أخذ الله تعالى العهد على الإنسان أن يحافظ على الأمانة بجنسها أيّاً كانت، وليس هناك أمانة أحقّ بالحمل والأداء بعد الدِّين من البيئة التي استُخلف فيها ابن آدم ليعبد الله تعالى فيها ويعمرها، وهو الذي يتأتَّى منه الإفساد فيها بما مكَّنه الله من تسخيرها لصالحه، كما يشير لذلك قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. وفساد البر والبحر هو المراد بفساد البيئة حتى لا تكون صالحة للعيش، فإذا فسدت فإنها تثور على ساكنيها بالدمار والهلاك، كما هو مشاهد الآن فيما يعرف بالتلوث البيئي، وحدوث الفيضانات، والزلازل، وذوبان الجليد، واشتداد الحر.. بسبب ما يصنعه هذا الإنسان الظالم لنفسه، لذلك كان الحفاظ على البيئة من أوجب الواجبات الشرعية والعقلية التي لم يختلف فيها اثنان.

وهذا ما اجتمعت عليه الأمم البشرية في مؤتمر «COP28» الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد عبّر جميع زعماء العالم المشاركين وغيرُهم ممن لهم عناية بالبيئة أن الحفاظ عليها واجب كلِّ إنسان، وأن الحفاظ عليها يبدأ من تقليل الانبعاثات الكربونية التي تبثها المصانع الكبرى أو تنتجها الصناعة العسكرية، وترشيد استهلاك الماء والغذاء، وتوفير الطاقة النظيفة، وزيادة الرقعة الخضراء، وعدم الصيد الجائر، وحماية الكائنات.

وقد كانت الدولة في مقدمة الدول التي تصنع التَّحول الكبير في الحفاظ على البيئة بما قدمته من مساهمة مالية عظيمة لم تقدم مثلها كبرى الدول، وبما صنعته وتصنعه في أرضها من حفاظ بيئي لا نظير له؛ لأنها تستشعر أمانة المسؤولية البيئية وحق الأجيال الحاضرة والمقبلة في حياة مُثلى، وهذا ما تعنيه استدامة الحياة من موارد وعيش كريم، وبذلك تكون القيادة الرشيدة أعزها الله وبارك فيها قد أدت واجبها وزيادة نحو البيئة، وبقي الواجب الكبير على الدول التي كانت سبباً مباشراً في الفساد البيئي المقلق، فعليها استشعار المسؤولية، وأن تحذو حذو دولتنا المباركة العزيزة السباقة لكل خير.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة