ألم الانضباط

يخالف الميل والهوى والرغبة في الراحة والاسترخاء، ويوخز ضمائرنا مع كل تقصير أو تكاسل.

يُطاردنا مع دقات ساعة الاستيقاظ مبكراً، ويقذف بنا تحت أمطار الشتاء، ووسط لهيب الصيف، لا يُراعي ما يعتري نفوسنا من ضجرٍ أو ملل.

يردد على مسامعنا كل وقت ما غرسه أبوانا في صغرنا من قيم وأخلاق، وما تعلمناه بعد كل انكسار أو فشل.

يرفض اعوجاج الطريق والمسلك، ويوبخنا كأب صارم بعد كل تهاون أو تغافل.

يشد أيادينا بعد السقوط، ويحاول معنا من جديد، ويعلم يقيناً أن الوقوف صفة نجاة، ومرافقته نور ينير الدرب.

يُشفق علينا من الأضواء المبهرة، وحب الظهور، والتقليد الأعمى، والخروج عن المألوف، ويحذرنا من النهايات المؤلمة.

يُنادي كل صبح «أنا الانضباط، وبي من الألم ما بي، لكن أصحابي لا يذوقون يوماً مرارة الندم».

الانضباط، على مرارته، يعلمنا الصبر وتجاوز الأزمات، ويحقق على طول الرحلة أمنيات كنا نظنها في البداية مستحيلة وبعيدة المنال.

الانضباط في العمل والحياة، ومعرفة قيمة الوقت، وأهمية الالتزام بالمواعيد، وترتيب الأولويات، كلها مؤلمة على النفس، وصعبة، خصوصاً على الشباب والفتيات، في ظل فضاء يروج لكل ما هو مريح وسهل، وهنا لابد من دور قوي للأسرة لاحتواء الجنوح والرغبة العارمة في اختبار كل شيء وفي أي وقت.

الانضباط، وإلزام النفس بالدين والأخلاق، وبقوانين الحياة الإلهية، من سعي وصدق وعمل جاد، يجنبا بؤس الندم على الفرص التي أضعناها، وعلى العمر الذي أهدرناه، وعلى الوقت الذي لم نعرف قيمته، والأخلاق التي فرّطنا فيها، والأشياء القبيحة التي لم نر قبحها إلا متأخراً.

الانضباط سلوك حياتي نحتاجه جميعاً، ويحتاج أبناؤنا أن نعودهم عليه منذ نعومة أظفارهم لمواجهة ما يشاهدونه ليل نهار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من استهتار وتساهل، وركض خلف الاستمتاع بالحياة، أياً كانت الوسيلة.

تعطينا السماء من خيراتها بقدر انضباطنا، وبقدر ما تألمنا لضبط أنفسنا، والارتقاء بها بعيداً عن التفاهات والحماقات التي تمنحنا متعة قصيرة، ثم تورثنا تعاسة ما بقي لنا من العمر.

تقول إحدى صديقاتي «كنت أتأمل في شبابي كل القصص المؤلمة في محيط عائلتي، وأفكر أين الخلل؟ ومع العمر عرفت أن جميعها خلت من الانضباط في شيء ما».

كل قصة ملهمة وكل نجاح بدأ بألم الانضباط انتهى بسعادة ورضا وراحة بال.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة