القوة الناعمة (2)

فيصل محمد الشمري

إن تدفق المعلومات والبيانات المتسارع بفضل الثورة الرقمية، يعزّز أهمية المرونة المؤسسية ولربما تغيير كيفية التعامل مع استخدامات القوة الناعمة.

فلم تعد القوة الناعمة تشير إلى القدرة على تحديد الأجندة وجذب الآخرين إلى أجندات وتوجهات عالمية متغيرة. ومع صياغة وتوجيه وتشكيل الرأي العام في عصر المعلومات والرقمنة، أصبحت المصداقية والاهتمام مورداً نادراً عزز (أنسنة) هذه الحقبة الزمنية التي توسم بمادياتها وبعدها الأخلاقي (أو اللاأخلاقي)، فالمنافسة على مورد موثوق ونادر، أصبح حجر الزاوية وغير الموجهات الإعلامية وطعن بمصداقيتها وزعزع ثوابت تم تسويقها لعقود، كأثر لأيام من التغطية المباشرة التي ركزت على المعاناة والتفاصيل اليومية لمعالجة إنسانية.

لقد أصبحت الرقمنة عنصراً أساسياً في الجيل القادم من القوة الناعمة (Soft Power 2.0)، ولعل ذلك يبرز كتحدٍّ نوعي وفرصة لا مثيل لها، فإنسانية الإمارات ومساهماتها وتصورها ونموذجها الوطني وجودة الحياة رسخت مكانتها العالمية قبل وأثناء (جائحة Covid-19) والفترة التي تلتها، ورسالة القيادة بأن «لا تشلون هم»، أصبحت رسالة عالمية من دعم ومساعدات غير مسبوقة. ولعل مصطلح القوة الناعمة لوصف أحد أبعاد القوة بما يتجاوز القوة الاقتصادية أو العسكرية، صاغه المبدع جوزيف ناي وبين أثره.

لقد رسخ القرن الـ19 مفهوم وعلامة القوة العظمى على القدرة على الانتصار في الحرب، بينما اليوم لا يعتمد النصر في بعض الأحيان على جيش من سيفوز، بل على قصة من سينتصر، فقديماً كان المنتصر عسكرياً هو من سيكتب التاريخ، بينما اليوم أصبح السرد المؤثر يجذب أفئدة الناس وعقولهم. هذا التنوع جعل مسرح الأحداث أكثر ازدحاماً، وبات بوسعهم أن يتنافسوا بفعالية في عالم القوة الناعمة.

لقد تبين أن أثر كلمات أو أفعال أحد المشاهير يخلق تموجات في القيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية. وكلمة رونالدو وإبعاده لعبوة مشروبات غازية كبد سعر السهم للشركة المعنية مليارات. ويمكن أيضاً تحقيق آثار مهمة في مجالات القضايا الحساسة اجتماعياً مثل التقنية والبيئة وحتى التشريع.

وقد تعمل القوة الناعمة على تعزيز الاقتصاد الإبداعي، وخلق فرص العمل، والنمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، ومثال ذلك نموذج للوكالة الكورية للثقافة والمحتوى (KOCCA) في كوريا الجنوبية. حيث بينت دراسة أجرتها وزارة الثقافة والرياضة والسياحة أن أغنية واحدة فقط، «Dynamite» لفرقة BTS، حققت 1.43 مليار دولار من عائدات الملكية الفكرية، وخلقت 7928 وظيفة خلال الجائحة.

أين نحن من ذلك؟ وكيف نطوّر اقتصادنا الإبداعي تجاه هذه الأهداف؟ محاور لحديث قادم.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر