متحدين نقف.. متفرقين نسقط

خلف أحمد الحبتور

في عالمنا المضطرب اليوم، يتزايد تصعيد التحديات والأزمات الدولية بشكلٍ لا يُبشِّر بالخير. باتَ أمن العالم واستقراره ككُل مهدداً بالخطر. وفي كثيرٍ من الأحيان نجد أنفسنا في المنطقة العربية على حافةِ الهاوية، دولنا التي تُعد من أكثر المناطق ثراءً بنسيج متنوع ومختلف من الثقافات والمجتمعات والأديان تخوض في صراعاتٍ مفصلية عديدة.

إن المشهد الدولي الحالي محفوف بالتحديات التي تهدد السلام والاستقرار في العالم العربي وخارجه. فمن «الصراع الإسرائيلي الفلسطيني» الذي طال أمده، إلى الأزمات المدمرة والاضطرابات السياسية والاقتصادية في كلٍ من سورية، ولبنان، والسودان، والعراق، واليمن، وغيرها. ولا تؤدي كل هذه الصراعات إلى تدمير تلك الدول فحسب، بل تعيق كذلك التقدم الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة ككل، وتلقي بظلال عدم اليقين على المنطقة.

أمّا خارج العالم العربي، فالتوتر الدولي يُخيّم على العالم بأسره، وتحديداً في الدول الغربية والأوروبية الكبرى. فضلاً عن القضايا الجيوسياسية المستمرة والنزاعات الإقليمية في روسيا وأوكرانيا، والتوتر في كوريا الشمالية، وبحر الصين الجنوبي، وأفغانستان وغيرهم -للأسف- الكثير، مما زاد من انعدام الأمن العالمي وعدم الاستقرار.

أمام كل تلك التحديات العالمية المتصاعدة، تبرز الحاجة الملّحة إلى التعاون والتضامن والتعاضد الحقيقي بين الدول العربية لتوحيد الجهود وحماية أمننا واستقرارنا. إن تشكيل تحالف قوي بين الدول العربية يمكن أن يكون بمثابة درع هائل لحماية مصالحها وخلق استراتيجيات استباقية لتعزيز الأمن. علاوةً على ذلك، فإن هذا التعاون سيسهم في حماية أراضينا وسيادتها، حرّياتنا، معتقداتنا، ومقدساتنا كذلك. ولن يتم ذلك إلّا عن طريق جهود جماعية ونيّة صادقة نحو التعاضد وتوحيد نقاط القوة الفردية بشكل جماعي لمواجهة أي تهديد على الصعيدين الإقليمي أو العالمي.

وكما قال الشاعر: «تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا .. وإذا افترقن تكسرت آحادا». أتأمل دوماً في معاني هذه الأبيات، وأؤمن بصدق أن هذه هي حالنا في الدول العربية اليوم، نحن في أمسِّ الحاجة إلى أن نتحد اليوم قبل غد. وأنا كلي ثقة بأن اتحادنا سيوازي الاتحادات الكُبرى مثل الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، لما نملكه من إمكانات مهمة من موارد طبيعية، وموقع جغرافي، وغيرها. بالإضافة إلى أن دولنا العربية تتوحد تحت راية لغة واحدة، اللغة العربية وهذا ما يجمعنا.

وكل ما ذكرت هو ما يجعل من مشروع الاتحاد العربي كابوساً لدول وجهات عديدة يخيفها تعاوننا وتعاضدنا ووضوحنا مع بعضنا بعضاً، لكون أهدافهم تتحقق في ضعفنا وتفرقنا. لذا علينا أن نكون على أقصى درجات الحذر من تلك الدول التي تكمن مصلحتها في استهداف العرب وزرع الفتنة بينهم، وتغيير ديموغرافيتهم السياسية والدينية. والخطوة الأولى للحفاظ على أمننا واستقرارنا تبدأ من أن نعرف أعداءنا، ونفهم نواياهم الخفية والصريحة لمنعهم من تحقيق أجنداتهم في منطقتنا من خلال زرع التفرقة والفوضى بين العرب لتقويض الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة.

كما أنه في الوقت الحاضر، هناك حاجة ملحّة إلى تفعيلِ الدور الحقيقي والفعّال للمؤسسات العالمية، مثل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وجامعة الدول العربية. لتلبية التحديات المفصلية التي نشهدها، ولتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء. لكون هذه المؤسسات تلعب دوراً حاسماً في معالجة التحديات التي يواجهها العالم، مثل جامعة الدول العربية، التي يجب أن يتم تفعيل دورها على أتمِّ وجه، عن طريق الضغط على الجهات الفاعلة الدولية، والمشاركة الدبلوماسية الفعّالة، بدلاً من مجرد عقد الاجتماعات وإصدار البيانات غير المُلزمة.

ينبغي للجامعة أن تتخذ مواقف أكثر استباقية، وأن تفعّل الدور الأساسي الذي تأسست لأجله، ألا وهو تعزيز التعاون والاستقرار في المنطقة، وأن تخطو على خطى القادة العرب الذين دعموا بقوة الجامعة وشاركوا في تعزيز دورها وأهدافها. مثل الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والرئيس جمال عبدالناصر -رحمهم الله- الذين دعموا مبادرات التعاون العربي، وشجعوا على التنسيق بين الدول لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

ولا يتم تفعيل دور المؤسسات العالمية ككل، إلّا عن طريق اختيار قادة مخضرمين، وذوي خبرة عريقة لقيادة تلك المؤسسات. قادة يمكنهم اتخاذ قرارات مؤثرة، ويمتلكون فهماً عميقاً للتحديات والفرص في عالمنا المعاصر. ويمتد دورهم إلى ما هو أبعد من الخطابة، يتبنون نهجاً عملياً موجهاً نحو النتائج والسلام لخدمة مصلحة المجتمع المحلي والدولي الأوسع.

في الختام، أتساءل ما مصير الدول العربية من كلِّ تلك الأزمات؟ ما مصيرنا كعرب أمام كل تلك التحديات الدولية المتصاعدة؟ لا يمكننا إنكار الواقع، وأن كل تلك القضايا المعقدة والنزاعات المستمرة تشكل جزءاً من واقعنا في المنطقة، ولكنني أؤمن دوماً أنه هناك أمل وفرصة لتحسين الوضع عند السعي والعمل المشترك، وأن نبقى يقظين ضد من يحاربنا بشكلٍ علني أو مبطن عن طريق فهم أهدافهم وفضحها.

فالطريق نحو استقرار العالم العربي ككل، يبدأ من التعاضد والوضوح والتعاون اللذين يشكلان المفتاح الأساسي لتحقيق الأمان والازدهار في المنطقة، لحماية مصالحنا وضمان وجودنا وتواجدنا بحكمة واستدامة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر