الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة لن تُحمد عقباه

خلف أحمد الحبتور

قلتها سابقاً وأكرر: هذا الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة لن تُحمد عقباه، يتعدى حدود الولايات المتحدة الأميركية، ويمتد أثره ليصل إلى العالم بأسره. فهذه الزيادة غير المسبوقة في معدلات الفائدة، التي لم يشهدها المشهد العالمي منذ أكثر من عقدين، أصبحت مصدر تهديد حقيقياً على مدى الأعوام الماضية، خصوصاً لما يترتب عليها من تأثيرات بعيدة المدى على الدول والشركات وحتى الأفراد، كونها مسلحة بدرعٍ متينٍ ألا وهو الدولار الأميركي.

وبينما يتجاوب الاقتصاد العالمي مع قرارات الولايات المتحدة الأميركية، مكرهاً لا بطلاً، تؤثر هيمنة الدولار الأميركي بشكل مباشر عليه؛ بمعنى أنه حتى تلك الدول التي تتمتع باقتصاد قوي ومستقل، ولا ناقة لها ولا جمل بالدولار، سيتأثر اقتصادها وتجد نفسها مضطرة لتحذو حذو الدولار، ترتفع مع فائدته وتنخفض قيمة صرفها أمامه، نظراً لهيمنته كعملة عالمية.

وهذا الاتجاه التصاعدي في معدلات الفائدة تمتد عواقبه لتشمل الأعمال التجارية والاستثمارات والاقتصادات على الصعيدين العالمي والمحلي، وإذا لم يتم السيطرة عليه فقد يزيد من التفاوت بين الاقتصادات العالمية، ويوسع الفجوة الاقتصادية بين الدول، كما لو كانت حلقة مفرغة لا ينتج عنها سوى التأزم الاقتصادي.

يمكننا ملاحظة أثر ارتفاع الفائدة على عالم الأعمال بوضوح، حيث تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى تقليل النفقات الرأسمالية، ما يُعوّق النمو ويعرقل خطط التوسع.

وبالمثل يصبح المشهد الاستثماري محفوفاً بالصعوبات، حيث تحدّ معدلات الفائدة العالية من تدفق رؤوس الأموال وتهزّ ثقة المستثمر، كما أنه لا يمكن لأي من قطاعات الاقتصاد أن يسلم من «شر» هيمنة الدولار، بما في ذلك مجالات العقارات والتصنيع والاستهلاك، وغيرها من الصناعات التي ستتحمل عبء هذا النمو المتزايد في معدلات الفائدة. وهنا أؤكد على ضرورة معالجة هذه الشأن على الصعيد العالمي من خلال التعاون الدولي.

لا يخفى على أحد أن قرارات الولايات المتحدة الأميركية هي ردود فعل على مشكلاتها الداخلية فحسب. لا يفكرون أبعد من حدودهم الجغرافية عند سنّ أي قرار يؤثر على العالم بأسره من شماله إلى جنوبه؛ فهيمنة الدولار كعملة احتياطية عالمية تجبر دول العالم على اتباع تعليماتهم، ويجدون أنفسهم مضطرين لرفع معدلات «الفائدة» بالتزامن مع التغيرات التي تطرأ على الدولار الأميركي.

وكمثال على تأثر الاقتصاد العالمي ككل بقرارات الولايات المتحدة، نرى الدول الناشئة أو النامية، على سبيل المثال، تتأثر بارتفاع معدلات الفائدة، حيث يُشل اقتصادها بشكل شبه كلي، وإن كانت بعيدة عن أميركا بآلاف الكيلومترات.

فارتفاع «الفائدة» يزيد من تكاليف الاقتراض للشركات والحكومات وحتى الأفراد، ما يعوّق فرص النمو والتنمية، كما أنه قد يقلل من إقبال المستثمرين على تلك الدول، ويؤثر كذلك على قيمة العملات الوطنية، وبالتالي تختفي تنافسية المنتجات والخدمات الوطنية في الأسواق الدولية، وكنتيجة حتمية تقل فرص الاستثمار وتتلاشى فرص العمل.

ومع كل ذلك نرى بشكل جلي أن الولايات المتحدة جلّ ما يعنيها هو مسائلها الداخلية، ولا تقلقها التأثيرات بعيدة المدى لسياستها المالية على الاقتصاد العالمي؛ لذا فإنه من الضروري أن نتحلى بالوعي كأضعف الإيمان، وأن نجد سوياً وسيلة تخلصنا من هذه الأغلال التي تكبّل اقتصاداتنا، والأمر يبدأ من السعي المشترك من جميع الدول، بصرف النظر عن مكانتها الاقتصادية، فتجاهل هذه المخاوف لا ينتج عنه سوى اقتصاد عالمي هش بكل المقاييس.

في الختام أناشد صناع القرار وقادة العالم أن يتصرفوا قبل «وقوع الفأس بالرأس»، وأن يعملوا معاً لتنسيق سياساتهم النقدية وتبني استراتيجيات لتجنب تفاقم الوضع، وضمان عدم إحداث أضرار بالاقتصاد العالمي قبل فوات الأوان. تحقيق هذا التوازن هو السبيل الوحيد لدعم الاستدامة الاقتصادية والاستقرار العالمي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر