«الليلام» 2

فيصل محمد الشمري

إن تطوّر الباعة الجائلين، ودخول الجيل الجديد منهم عصر الرقمنة واستغلال ثغرات الخصوصية ليتعدوا عليها باستخدام الذكاء الاصطناعي وبيانات المتعاملين وتداولها بشكل مخل وقيام شركات كبرى ببيعها لهذه البيانات أو توجيهها لأغراض الدعاية والإعلان، يسبب نمواً خبيثاً في حجم المكالمات المتطفلة والمزعجة.

إن هذا السلوك المشين، يدفعنا إلى الحسم بأن الأوان قد حان لترقية وإصدار ضوابط وقوانين ملزمة لصناعة التسويق، التي أضحت ضرورة ملحة، فـ«الليلام» ابتعدوا جسدياً عن التنقل التقليدي بين الحواري والأزقة، لكنهم دخلوا بيوتنا ومقار عملنا وتعدوا على خصوصياتنا، ولا نقصد هنا الحاجة إلى تنظيم مماثل لترخيص إعلان التنزيلات أو الإعلانات التقليدية، أو خصومات العيد ومهرجانات التسوق، بل نقصد ضرورة تطوير واعتماد ضوابط منظمة لتداول البيانات وتخزينها ومعالجتها عبر كل الأدوات والوسائط والسبل، ومنع الممارسات المخلة ومعاقبتها، ومنها منع بيع بيانات المتعاملين أو تداولها لغير الغرض الموجودة له. فيكفينا اليوم أنّ من لديه خلاف على فواتير هاتفية أو شكوى، أن يجدها منعكسة في بياناته الائتمانية! لماذا يجب علينا أن نقبل أن نتعايش مع نشر بياناتنا وأرقامنا لتصبح في متناول بائعي «الليلام» المزعجين المتطفلين من وسطاء لكل شيء، إلا الخصوصية!

إن وضع ضوابط تحكم العلاقة بين التسويق وحماية الخصوصية، وهو ما يُسمى بـ«نهج الخصوصية أولاً» privacy-first approach، لتقييد المسوقين للوصول فقط للبيانات التي يحتاجون إليها لاتخاذ قرارات ثاقبة، ولكن يلزمون قانوناً بالالتزام بمبادئ خصوصية البيانات طوال عملية التسويق.

فيجب أن تكون خصوصية بيانات العميل أولوية قصوى في استراتيجية التسويق الرقمي، كما يجب أن تكون الأولوية لخصوصية البيانات، لا لبناء الثقة مع العملاء فحسب بل ولتجنب المشكلات القانونية والتنظيمية، وحماية سمعة العلامة التجارية.

إن ما نشهده اليوم من ممارسات أدت إلى معرفة تبعات بيع بيانات المتعاملين (أسماؤهم وأرقام هواتفهم)، بينت حجم الإزعاج الذي يمكن أن تسببه ممارسة مخلة بالقواعد الحالية للخصوصية، وتسبب إغراق الجمهور بمكالمة متطفلة مزعجة يجب محاسبة مسببيها، ولا نقصد هنا فقط المتصل، بل سلسلة إمدادهم ببيانات المتعاملين، كما أن ذلك يعيد الحوار لموضوع سبق وأن طرحناه بعنوان «بين الاحتكار والابتكار» منذ عامين.

ولا نقصد هنا ما يُقال عن الشركات العائلية، التي بعضها لها إسهامات وطنية خالدة مثل ما ذكره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، عن إسهامات بعض الشركات الوطنية في دعم العمل الوطني والمجهود العسكري في أحد الظروف التي شكلت تحدياً لوجستياً واستدعت الحاجة إمداداً غير مسبوق يتطلب شراء فورياً لآلاف المركبات رباعية الدفع، وقام بالاستجابة لها، المغفور له، رحمة المسعود، وهو من قامات الوطن الاقتصادية بدعمه وتوفير المطلوب فوراً ورفض تلقي أي عائد مالي عنه، وهو ما يوجد له أمثلة أخرى مشرفة.

ولكننا نقصد شركات استغلت بيانات المتعاملين، منجرفة عن عملها الأصيل، لتعمل بكل مجالات الحياة، ولم يبقوا للآخرين أي مجال للمنافسة، وكأن نظام الاقتصاد الدائري يدور في فلكهم ولخدمتهم، ولتطفو ممارسات تداول بيانات المتعاملين، المسبب الحقيقي لانتقال «الليلام»، إلى عصر التحوّل الرقمي وبدلاً من طرق الأبواب الاتصال هاتفياً أو إغراق البريد الإلكتروني برسائل متطفلة. وأيضاً الشركات العالمية مثل محركات البحث ومصنعي أجهزة الهواتف الذكية المعززة بخصائص التحليل والمتصنتة على حواراتنا وكلماتنا، فما أن يقول أحدنا أمراً أو يذكر موضوعاً ليفتح بعدها هاتفه أو يتصفح الإنترنت ليفاجأ باقتراحات وإعلانات في صلب ما كان أو كانت تقوله، لنرى أحياناً مقاطع مضحكة مبكية عن جهود بعض النساء في الإيحاء، تنتقل من الأساليب التقليدية من الطلب والتأثير، إلى مناجاة الهاتف الذكي بما ترغب من زوجها حتى يبدأ هاتفه بإغراقه بسيل من الروابط والمواقع والتوصيات المبنية على مؤثرات متقدمة.

لقد قلنا سابقاً أن عصر «الليلام» انتهى وانقرض، لكن يبدو أن ذلك يتطلب استئصالاً جراحياً للممارسات المخلة ومراقبة ومعاقبة مستغلي البيانات لغير الأغراض المسموحة والمرخصة، والالتزام القانوني والأخلاقي بحقوق المتعاملين واجب إجباري أصيل.. وللحديث بقية

الأوان قد حان لترقية وإصدار ضوابط وقوانين ملزمة لصناعة التسويق.

مستشار إداري وتحول رقمي

وخبير تميز مؤسسي معتمد

 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

 
تويتر