الملاذ.. عندما تتبدل المشاعر

ساندته زوجته في حياته العملية، وسخّرت نفسها لتلبية احتياجاته، ورعاية طفلتهما الصغيرة، معتبرة أنها ركن أصيل في حياته، وشريكة نجاحه وإنجازاته، لكنه كان يضمر مشاعر مختلفة كلياً، إذ اعتبرها مجرد أمر واقع أو جزء من أثاث المنزل، وأطلق لنفسه العنان في التعرف إلى نساء أخريات، مطلقاً عبارات الغزل الدافئة هنا وهناك، فيما صار أكثر بروداً مع سيدته الأولى.

وبمرور الوقت، وبحاستها الأنثوية الصادقة أدركت أنه مشغول بغيرها، فعبّرت عن ذلك مراراً وتكراراً، خصوصاً بعد أن ضبطته متلبساً في أكثر من موقف.

وبدلاً من أن يصلح ما كسره، مضى في غيه، وفكر في طريقة لإبعادها عن حياته حتى يتحرر أكثر من ضغوطها وملاحقتها المستمرة له، فقرر أن يرسلها مع ابنته إلى بلادهما، مبرراً ذلك بمروره بضائقة مالية وظروف غير مناسبة في عمله، ووعدها بأن يردهما حال حدوث انفراجة، لكن بدلاً من ذلك هجرهما كلياً وقطع جميع طرق التواصل معهما، بل ألغى إقامتهما في الدولة، وتوقف عن الإنفاق عليها وعلى ابنته، ليقطع كل سبل الود وفرص عودة المياه إلى مجاريها.

لم تجد الزوجة حلاً سوى تدبير العودة إلى الدولة مجدداً بمفردها، وإقامة دعوى قضائية ضده، لخصت فيها كل أشكال الضرر الذي تعرضت له على يديه، مطالبة بحقوقها المسلوبة هي وطفلتها، ومُصرّة على الانفصال نهائياً عنه، مطمئنة إلى تشريع إنساني راسخ في دولة الإمارات، وقضاء عادل ومنصف.

حاول الزوج من جانبه التشكيك في أسانيدها، مدعياً أنه متمسك بها، وحريص على استمرار زواجه، نافياً تهم الخيانة عن نفسه، مؤكداً أنه لم يتوقف عن رعاية زوجته وطفلته، وسيثوب إلى رشده ويجبر ما انكسر، لكنها رفضت كل عروض الصلح بعد أن استنزف ما تبقى داخلها من عاطفة تجاهه.

نظرت محكمة الأحوال الشخصية الدعوى، واستجاب لمعظم طلبات الزوجة، خصوصاً تلك المتعلقة بالطفلة التي اضطرت أمها لتركها في بلادهما لتخوض معركتها القضائية وحيدة ضد زوجها.

المحكمة قضت بأحقية الأم في حضانة طفلتها، باعتبارها حقاً أصيلاً للأم بحكم قانون الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وحكمت لصالحها بأجرة الحضانة.

المحكمة حرصت على تأمين حياة مستقرة للطفلة، باعتبارها ضحية مثل هذه الخلافات، وصاحبة الحق الأصيل في الرعاية والحماية، فألزمته بنفقتها وحددت مبلغاً مناسباً شهرياً إذا كانت تعيش في بلادها، وآخر إذا انتقلت إلى الدولة، كما ألزمته بأجرة مسكن بالإضافة إلى التعليم والصحة وغيرها من الحقوق الأساسية للطفلة، بل ذهبت إلى ما فيه المصلحة المثلى للابنة، فقضت بإلزامه باستقدامها لتعيش مع أمها الحاضنة تحت بصره وولايته في دولة الإمارات، باعتبارها البيئة الأفضل لها، لترسخ بذلك أفضل النماذج في كيفية رعاية الفئات الضعيفة، وتحصينها ضد تقلبات الزمان والإنسان.

محكم ومستشار قانوني


لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر