الاهتمام

أمل المنشاوي

يخرج صادقاً من قلوب المحبين، عفوياً خالياً من التكلف والرياء، مغروساً بفطرة الأمهات والآباء، خوفاً وحدباً وحماية مهما كبر الأبناء.

يُخبرنا أن هناك من اختارنا دون العالم وأغلق أبواب قلبه وعقله علينا، وجعلنا، على اتساع دنياه، استثناء واكتفاء، ويطمئننا أننا بخير ولسنا وحدنا طالما لدينا إخوة وأصدقاء.

يكشف النفاق وأصحابه في الشدة والأزمات ويُعرّي تصنّع الود مهما طال وامتد، فلا ندري أحقاً كان هؤلاء قريبين منا أم غرباء.

يأتي تلقائياً مصاحباً لمشاعر الحب الحقيقي، فيرسم تلك الابتسامة الحنونة على وجوهنا ونحن نتلقّى اتصالاً متأخراً لمجرد السؤال عنا، أو رسالة صديق قديم يفتقدنا، أو هدية غير متوقعة، أو دعوة بلا مناسبة لتناول العشاء.

نعرف به قدرنا وقيمتنا، ويصدمنا غيابه في الأيام العصيبات، ونبحث عنه بصمت في وجوه من حولنا فلا نجده، لنشعر بعدها بأن كل الأشياء سواء.

يمنحنا عمراً من السعادة والفرح فوق أعمارنا، ويغمرنا فيضه بسكينة ورضاً عن اختيارات الأقدار لنا، ونعانق به نجوم السماء.

إنه الاهتمام.. ذاك الذي لا يُطلب ولا يُشترى، وينتظره منا الأهل والأصدقاء والجيران، وللأسف يغيب وسط انشغالنا بعالم لا يشبهنا ولا ننتمي إليه، ولا يُشبع حاجاتنا الإنسانية في التواصل الحقيقي وتبادل الود، ومشاركة الأفراح والأتراح.

يعيش كل منا الآن منكفئاً على نفسه، فتباعدت الزيارات العائلية وقلّ رنين الهاتف، واكتفى الجميع برسائل نصية جافة للسؤال في المناسبات والأعياد، وغاب التعارف بين الجيران، وحلّ بين إخوة الدم الصمت والخواء.

نحتاج إلى أن نعود لعاداتنا الجميلة التي توارثناها جيلاً بعد جيل، وعلّمتنا قيمة الأهل، وحق الجيرة، وصدق الإخلاص للصديق، وإغاثة الملهوف وتفقّد أحوال الناس في محيطنا الضيق والواسع، والحرص على البر وصلة الأرحام، والشوق إلى أنس اللّمة وحكايات المساء.

العالم الافتراضي والتواصل الاجتماعي لم يكن يوماً بديلاً عن كل تلك الأحاسيس النبيلة التي نشعر بها ونحن نشدّ على يد بعضنا البعض، ونتأمل ملامح وجوهنا بعد طول غياب، ونضحك حتى البكاء من الشوق وحسن الاستقبال وحرارة اللقاء.

الاهتمام دليل الحب الأول وعنوانه الأكبر، يترك طيب الأثر في النفس، ويصلح ذات البين ويُعدل المزاج، ويرفع المناعة ويقوّي الروابط، ويديم العلاقات والنفوس صافية من كل بغضاء.

إنه ذاك الذي لا يُطلب ولا يُشترى، وينتظره منا الأهل والأصدقاء والجيران، وللأسف يغيب وسط انشغالنا بعالم لا يشبهنا ولا ننتمي إليه.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر