القاتل والمقتول أين مصيرهما؟

ورد في الحديث الصحيح، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا، حتى يأتي على الناس يومٌ لا يدري القاتل فيم قَتل، ولا المقتول فيم قُتِل»، فقيل: كيف يكون ذلك؟! قال: «الهَرْج، القاتل والمقتول في النار».

تذكرتُ هذا الحديث الشريف وأنا أشاهد ما يجري في البلد الإسلامي العربي الشقيق، جمهورية السودان، حيث يتقاتل أهله قتالاً مريراً، فذهب ضحية القتال طوائفُ من الأبرياء، وآخرون أشقياء، أقلقوا السكينة، وأخرجوا الأهل والعشيرة، ومَن حلَّ ببلادهم مستثمراً، أو طالب علم، أو محباً لبلدهم وأهله.

وعند التأمل لهذا القتال المرير لا يجد العاقل مبرراً له، إلا أن يقول إنه قد كُتبت عليهم الشِّقوة، فلم يبالوا بأنفسهم ولا ببلادهم الطيبة، ولا بإخوانهم المساكين الأبرياء، وهكذا {يُضل اللهُ من يشاء ويهدي من يشاء}، غير أن مصير الظلم وخيم، وعاقبته مُرَّة في الدنيا والآخرة، فهذا نبينا، عليه الصلاة والسلام، ينذر الفريقين المتقاتلين بالنار، أما القاتل فلقتله أخاه، وأما المقتول فلأنه كان حريصاً على قتل صاحبه، فهل يؤمن هؤلاء المتقاتلون بالله واليوم الآخر؟ أم هل يقرؤون كتاب الله تعالى القائل: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾، فهاهم يُعدون لأنفسهم جهنم وغضب الله ولعنته وعذابه العظيم؛ لتعمدهم قتل النفوس المؤمنة التي حرمها الله تعالى، وإفسادهم في الأرض بالدمار وخراب الديار، وسوء الآثار، وكل ذلك من أجل شهوة الحكم، وغرور النفس، وخداع الشيطان.

إن هذا الحال الذي وصل إليه الشعب السوداني المسلم الذي يعاني في الأساس مشكلات اقتصادية جمَّة؛ هذا الحال يستدعي وقفةً مع النفس، ومراجعة الدين الذي يدين به هؤلاء المتقاتلون وهو الإسلام، الذي يقول رسوله، عليه الصلاة والسلام: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»، فأعادها مراراً، ثم رفع رأسه فقال: «اللهم هل بلَّغت، اللهم هل بلَّغت - قال ابن عباس، رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته - «فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض»،

فهؤلاء هداهم الله وأصلحهم لم يبقوا دماً ولا مالاً ولا عرضاً إلا وقد انتهكوه، بضرب بعضهم رقاب بعض، أفلا يعقلون؟!

إن هذا القتال الدامي الذي لا مبرر له يجب شرعاً وعقلاً أن يتوقف احتراماً للدين، وإخوة الإسلام، وأخوة الإنسانية والوطنية، فإن سفك الدم الحرام جُرمٌ لا يُغفر، كما ورد في الحديث: «لايزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يُصب دماً حراماً»، يعني فإذا أصاب دماً حراماً فإنه يدخل في بوتقة ومَضيق لا يخرج منه، فكل الذنوب يهون أمرها خلا الشرك بالله، وقتل النفس التي حرمها الله، فعليهم أن ينظروا إلى ما هم ملاقوه من عذاب الله ولعنة التاريخ، ودعوة المظلومين.

والبديل عن هذا الفساد في الأرض هو الحوار الصادق الذي يوصل إلى حل الخلافات النفسية قبل أن تكون مصلحية للبلاد والعباد، كما يزعمون، وها هو الدور الأخوي الذي يقوم به أشقاؤهم يجب أن يقدر ويحترم، فيمكنوه من الخروج بنتائج تجمع الشمل وتعيد للعباد والبلاد الحقوق المدمرة والمنهوبة.

ولعل الواجب الأهم هو قيام علماء بلدهم بواجبهم نحو تثقيف الناس بحرمة الدماء وحقوق الإخاء، فلعلهم يهتدون، ولا يجوز لهم أن يقفوا وقفة المتفرج حتى إذا ما انقشعت سحابة الفتنة كانوا مع المنتصر، فهذا مما لا يجوز لعالم ولا عاقل.

نسأل الله تعالى أن يهدي عباده سواء السبيل.

الحال الذي وصل إليه الشعب السوداني يستدعي وقفةً مع النفس، ومراجعة الدين الذي يدين به المتقاتلون.. وهو الإسلام.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

 

الأكثر مشاركة