مرحبا بالعيد

ما أجملَ حالنا، معاشر المسلمين، أن يُقلِّبَنا ربُّنا، جل شأنه، بين أزمنة فاضلة نتفيأ ظلالها، ونسعد بأيامها ولياليها وساعاتها، ونُعد ذلك ذخراً لنا ليوم لقائه سبحانه، فها نحن ودَّعنا أفضل الشهور، بكل فرح وسرور، أن أمدنا الله تعالى بطول العمر حتى أدركنا خيره الوفير، من عبادة وإنابة، فقد كنَّا فيه لله صائمين، وبين يديه قائمين، وله مخبتين، ولكتابه تالين، وللأرحام واصلين، وللفقراء محسنين، وللخيرات مسابقين، وها نحن نستقبل عيداً سعيداً نفرح فيه بنعم الله تعالى الكثيرة، ومنها التوفيق لتلكم الفضائل التي كنا عليها في شهر رمضان، فنحمده سبحانه، ونشكره على ما منَّ به علينا من نعمه المتوالية الظاهرة والباطنة، نعم الهداية، ونعم السعادة، ونعم العبادة، ونعم الأمان، ونعم الإخاء، ونعم السماحة، نِعمٌ لا يعرفها ولا يقدرها حق قدرها إلا من فقدها، أو من اعتبر بحال من فقدها.

إن عيدنا، معاشر المسلمين، ليس عيد أشر وبطر، بل هو عيد شكر لله تعالى على نعمة التوفيق لأداء ما أمرنا به وحثنا عليه، وذكر له سبحانه، لأنه يحب الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، وهو سبحانه جليس من ذكره، ويذكر من ذكره، ومن كان الله جليسه فهو في مقام المراقبة له، ومن حظي بذكر الله له كان مذكوراً في الملأ الأعلى، ومعدوداً في ركب الصالحين، هذا هو عيدنا أهل الإسلام الذي شرعه لنا نبينا، عليه الصلاة والسلام، كما روى أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي، صلى الله عليه وسلم، المدينة، قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى»، لأنهما اليومان اللذان يعقبان شعيرتين عظيمتين، هما الصيام والحج، ولا يحظى بفضل الله تعالى فيهما إلا المسلم، لذلك هو يظهر البشر بالسعادة الغامرة التي أدركها بتبتُّله لربه جلَّ شأنه، وأول مظاهر البِشر التكبير من غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان إلى أن يصلي العيد، مع ما يصحبه من زينة وتطيب، ومبادرة للفطر امتثالاً لمولاه الذي أمره بالصوم فصام، وأمره بالفطر فأفطر، ثم لا يقتصر بشره على نفسه حتى يسعد غيره بصدقة الفطر لإخوانه المسلمين الفقراء، حتى يتكامل سروره بخيرية البذل والعطاء، وإفشاء السلام وصلة الأرحام، والتودد لجميع الأنام، وإيناس الناس بالمودة والاحترام وصلة الأرحام، ويستشعر جائزة الرب سبحانه، كما رويَ أنه «إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا، نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة»، وكأننا معنيون في الدنيا على ما نرجو نيل ذلك في الآخرة بقول الله تعالى ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾، ومناداة الجنان أن هلُمُّوا فادخلوا من باب الريان.

هذا هو عيدنا وشعارنا معاشر المسلمين، ولابد أن نكون مع ذلك مستشعرين أثر الصوم في أنفسنا من التزكية الروحية والخُلُقية، والسماحة الدينية، ونستشعر الفلاح الذي يخرج به الصائم في شهر رمضان، وأن يكون من أهل قول الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾.

أعاد الله علينا وعليكم العيد، بسرور مزيد، وعمل رشيد، إنه هو الولي الحميد.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة