«من مثلكِ يا أمي»

أهذا كان قلبكِ أم قلبي الذي وهبته الحياة، وفرحتِ بدقاته، وتحسست حركاته؟ أهذا كان جسدك أم جسدي الذي حملته داخل روحك وحفظت ملامحه وكتبتِ ميلادك يوم ميلاده؟ أهذه كانت يديك أم أرجوحتي ومهربي وأماني؟ أهذه كانت ابتسامتك أم مصدر ثقتي ودليل صوابي؟

أهذا كان زمانك وحياتك وسعادتك، أم عالماً تحاربين فيه لأجل بقائي أنتِ التي لم ترحلي يوماً عن جواري؟ أهذا وجهك أم عمري محفوراً في تجاعيدك؟ أهذا صوتك أم تراتيل ودعاء ورجاء لله أن يحميني؟ أهذا حقاً وهن الشيخوخة أم حصاد الوجع والألم وأشواك الطريق حتى تُسعديني؟ أهذا كان صبركِ الذي يهزم الهموم ويشفي الجراح، أم درسك اليومي لأتعلم كيف أتجاوز أحزاني؟ أهذا خيركِ وعطاءكِ الذي يسبق سمعتك أم صنائع معروف وقربى للقدير أن يرعاني؟

أهذه ملامحي وشكلي، أم تفاصيلكِ التي يعرفني بها القاصي والداني؟ أهذا بيتكِ ورائحة خبزكِ وكرم ضيافتك أم جذوري وتاريخي وعنواني؟ أهذا كان غضبك وحزمك وقسوتك أم تأديبي وتقويم عودي وشد بنياني؟

يا أمي كنت أظن في صغري أنك لا تتعبين قدر ما تتحملين، وأن أدوارك الكثيرة في الحياة وحدبك وخوفك على الجميع أمر مبالغ فيه، لا ينبغي أن تكون عليه كل النساء، حتى صرت أماً؛ فعرفت أنها الفطرة التي فطر الله عليها كل أنثى، تحب وتعطي وتضحي دونما انتظار مقابل أو امتنان.

يا أمي يدرك كل منا حين يكبر أن أمه عالم بأكمله، ودنيا عنوانها الأمان، وخيرٌ لا ينضب وباب مفتوح ويدٌ ممدودة في كل وقت، ودعاء يشق طريقه للسماء.

في قلب كل منا ندبة لم تداوها إلا أمه، وفي ذاكرته عثرة لم يسنده فيها أحد إلا أمه، وضعف لم يقوّه إلا أمه ومرض لم يطببه إلا أمه، وفرحة صافية وحب صادق لم يره إلا في عيون أمه.

في داخل كثيرين منا وجع عصي على الوصف، وشيء عظيم مكسور للأبد ودمع لا يمكن إخفاؤه، وذكريات وتواريخ وأعياد غابت بهجتها بغياب أمه.

في وجدان كل منا مواقف لا تنتهي وحكايات منقوشة على جدار القلب وصور بهية محفوظة في مقلة العين نقول بعدها بفخر وعز: «من مثلكِ يا أمي».

في قلب كل منا ندبة لم تداوها إلا أمه، وفي ذاكرته عثرة لم يسنده فيها أحد إلا أمه، وضعف لم يقوّه إلا أمه، ومرض لم يطببه إلا أمه، وفرحة صافية وحب صادق لم يره إلا في عيون أمه.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة