العالم بحاجة لعودة دور العم سام

خلف أحمد الحبتور

عام ثان من الحرب الروسية الأوكرانية قد بدأ، وقد تخطى عدد الضحايا من المدنيين الذين سقطوا من الطرفين 8000 ضحية وأكثر من 13 ألف جريح، بحسب مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR)، فيما أعلنت هيئة الأركان المشتركة الأمريكية أن أكثر 100 ألف جندي من كل جانب قتلوا وجرحوا منذ بدء الحرب. أرقام مهولة! الخسائر البشرية لا تقدّر بثمن، ولا شيء يمكن أن يعوّض تضحيات ما يقارب ثلث الأوكرانيين المدنيين الذي هُجِّروا من منازلهم ونزحوا خوفاً من تداعيات الحرب بحثاً عن ملجأ آمن لعائلاتهم. أما بالنسبة للخسائر الاقتصادية، فحدّث ولا حرج.

مما لا شكّ فيه أن أوكرانيا هي، إلى أبعد حدّ، الخاسر الأكبر اقتصادياً. فقد انخفض الناتج الاقتصادي الأوكراني بنسبة بلغت 35% وفقاً للتقديرات الأخيرة، كما تعرضت البنية التحتية للبلاد لأضرار جسيمة وطويلة المدى. حتى مع وجود مساعدات اقتصادية دولية بعد نهاية الحرب، سوف تحتاج أوكرانيا عقوداً لاستعادة مستوى إنتاجها إلى ما قبلها.

أما بالنسبة للخسائر الاقتصادية خارج الحدود الأوكرانية، فبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، قد تكلف الحرب الروسية الأوكرانية الاقتصاد العالمي نحو 2.8 تريليون دولار من حيث الخسائر في الإنتاج، علماً أنه من السابق لأوانه تقييم التأثيرات طويلة المدى على الاقتصاد العالمي. ومنذ بدء الحرب، قدّم معظم أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي مساعدات مادية وعسكرية وإنسانية مباشرة، تتعدى 150 مليار دولار، أسهمت الولايات المتحدة الأمريكية بما يزيد على 75 مليار دولار منها وحدها.

لقد بدأت ملامح الامتعاض تظهر في أميركا جراء الكلفة المتزايدة لهذه الحرب على دافعي الضرائب الأمريكيين. حتى إن الإعلام الأميركي، الذي كان يقود لواء هذه المواجهة ضد روسيا، بدأ يوجّه تساؤلات كثيرة عنها وعن مصيرها.

استوقفتني جملة وردت في مقال للكاتب مايكل مكينا في جريدة «واشنطن تايمز» قال فيها إن «الخط الفاصل بين تقديم المساعدة لأوكرانيا وكون أميركا أمة مقاتلة فعلية في هذا الصراع أصبح مبهماً». وأضاف «سيكون الأمر مقبولاً إذا كنا واحدة من العديد من الدول التي تقدم مثل هذه المساعدة العسكرية، لكن الحقيقة هي أن الأوروبيين قدموا التصريحات في الغالب، فيما قدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا نحو 50٪ أكثر مما أعطته كل دولة في أوروبا مجتمعة».

لا أفق لانتصار أي من الطرفين في هذه الحرب. كل ما هو حاصل حتى اللحظة هو استمرار إراقة الدماء والدمار في حرب، لو تم التعامل معها بالطريقة المسؤولة، لكانت انتهت قبل بدايتها. المطلوب من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تسعى للحوار وإيجاد حلّ سلمي.

لقد اعتدنا عبر التاريخ أن تلعب بلاد العم سام دور الأخ الكبير في حل النزاعات حول العالم. مطلوب من الإدارة الأميركية استعادة هذا الدور لإنقاذ الأرواح الأوكرانية والروسية، والحدّ من حالة التشرد والمجاعة. وذلك من خلال مراجعة حساباتها وإعادة دراسة النتائج المحتملة للنزاع بين روسيا وأوكرانيا. أكرر سؤال الكاتب مكينا: «كيف برأيهم ستنتهي هذه القصة؟ عدا عن قصة والت ديزني الخيالية التي تفوز فيها أوكرانيا ويعيش الجميع في سعادة دائمة؟».

مع عدم وضوح الرؤيا، ستزداد الحملات الإعلامية في الداخل الأميركي وفي أوروبا تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وسيستمر النزيف البشري من الطرفين المعنيين بالمواجهة العسكرية، وستزداد الخسائر الاقتصادية التي تئن من وزرها الشعوب الأوروبية والأميركية.

لقد قدمت الصين مبادرتها لحل النزاع بين روسيا وأوكرانيا، مطالبة بوقف فوري للقتال، إلا أن الإدارة الأمريكية لاقت مبادرة بكين باستخفاف ووأدتها قبل ولادتها. كما صرّح رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان داعياً لإجراء محادثات مباشرة بين الرئيسين الأميركي والروسي حول الحرب في أوكرانيا، تبعه تحذير وزير الخارجية المجري بيتر سيجارتو بأن العالم بات في الساعة «الخامسة والعشرين» لكي يتجنب حرباً نووية وشيكة.

كل المعطيات تشير إلى خطر اندلاع حرب عالمية كبرى، قد تتحول إلى نووية، إن لم يعم السلام ساحة الصراع الروسي الأوكراني فوراً. لذا أدعو الرئيس بايدن لاتخاذ موقف تاريخي ترجوه منه شعوب العالم لحل الصراع ووقف هذه الحرب التي إن استمرت فستجعلنا نشهد آلاف الصواريخ النووية العابرة للقارات تتسابق فيما بينها في فضاء الأرض ولن تسلم أي دولة منها حتى أميركا.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر