المعارك

نخوضها على طول الرحلة، صراعاً تلو الآخر، وقلقاً يسلمنا إلى قلق، وأحلام لا ينتهي بريقها وإجهادها، وتطلعات لا تعترف بسقف أو حدّ.

يدفعنا إليها طواعية، حب امتلاك كل شيء دفعة واحدة، والإصرار على صورة مكتملة لا تحتمل نقصاناً، والتنافس والتسابق على بريق لم يدم لأحد.

نحارب فيها كل صباح ملل التكرار، ودعوات الاسترخاء، ونصائح التقاط الأنفاس.

يصحبنا في طريقها انتظار القادم من الأيام، والتحسب لضيق الحال، والرغبة في الاستئثار والتعالي، لنتعلم مع الوقت أن كل ما حولنا للانتفاع فقط، لا الامتلاك.

نستعرض وسط ضجيجها الذي لا يهدأ قدراتنا على التحمل، وخبراتنا التي اكتسبناها على مر السنين، وندافع فيها بكل ما أوتينا من قوة عن أفكارنا ومعتقداتنا ورؤانا، لنسخر لاحقاً من انغلاقنا على أنفسنا، وتشددنا حين نكتشف أن براح الكون يسع الجميع.

نخاف فيها على أحبتنا، فنمد أذرعنا حماية لهم، ونفتح صدورنا لتلقي سهام الألم نيابة عنهم، ونخبئهم خلف دروع ظهورنا عطفاً وحدباً، دون أن ندرك أن عثرات الطريق وانكسارات الفشل وطعنات الأصدقاء، وحدها تصنعهم وتشحذ همتهم، وتقوي عودهم.

نفتح الباب في قلبها للفهم الخطأ والتفسير والتأويل وتفتيش النوايا والمقاصد، فنخسر من أحبونا بصدق، وعاشوا معنا عمراً يتقاسمون الخبز والضحكات.

تعلمنا الأنانية فنخذل من صدقونا وائتمنونا على احتياجهم وأوجاعهم وضعفهم حتى نفيق على صورنا المشوهة في مرآة الضمير.

هكذا هي معارك الحياة، متواصلة منذ الأزل وممتدة للأبد، تتشابه فيها الصراعات وتتكرر، وتُظهر بلا هوادة حسن الأخلاق وفُحشها، وتفتح أعيننا بعد فوات الأوان عن حجم التفاهات التي نتعارك لأجلها، وتأبى إلا أن تختبر حقيقة إيماننا، ومدى التزامنا تجاه أنفسنا ومن حولنا.

معارك الحياة قاسية قوية، يبحث كل منا فيها عن الانتصار والزهو، عمل ناجح وزواج مستقر، وأبناء أذكياء، وصحة ومال وأمنيات سقفها السماء، والعاقل فقط من يختار معركته ومن يحارب ولأجل ماذا.

معارك الحياة سنّة كونية، وقدر إلهي لا نملك تغييره، لكننا نملك خيار خوضها بشرف وخلق رفيع، وترفع عن أذية أحد، وإعلاء قيم العدل والتسامح وحب الخير للجميع، فالأرزاق والعطايا مقسمة بعدل إله حرَّم الظلم على نفسه، وحرّمه بين العباد، وانتصارنا الحقيقي في الإيمان والعمل بكل ذلك دون سواه.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة