الآياتُ والنُّذُر

لاتزال آيات الله الكونية ونُذُره، سبحانه وتعالى، تتوالى على عباده، ليشعرهم بمنتهى ضعفهم، وبالغ عجزهم عن دفع ضُر، أو جلب نفع، وتخبرهم أن لهذا الكون رباً مدبراً ومتصرفاً بكونه يتصرف فيه كيف يشاء، ويفعل فيه ما يريد، فلعل عباده يتذكرون مَلِك الملوك سبحانه، فيعرفوا له حق الربوبية، وتؤمن له قلوبهم، وتخضع له رقابهم، ويعبدوه حق عبادته، فإن فعلوا كان ذلك سبب نجاتهم يوم يرجعون إليه، فيجزيهم بجنات ونهَر، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نعيم لا توازيه نعم الدنيا مهما كثرت، وكما ورد في الصحيح «موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها»؛ لأن نعيم الدنيا مشوب بالأخطار والأكدار.

إن الآيات التي يخوف الله تعالى بها عباده كهذه الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسورية على الوجه الأخص، ودولاً أخرى كثيرة، وتبعتها هزات كثيرة بلغت في إحدى إحصائياتها 312 هزة، خلفت آلافاً من الضحايا شهداء، وأضعافهم جرحى، وآلاف المنازل والطرق المدمرة؛ هذه الآية العظيمة لا ينبغي أن تمر على العالَم مرور الكرام، فسرعان ما تنسى القوي القاهر سبحانه، بل يجب أن تكون ذكرى لِزلزلة الساعة التي قال الله تعالى عنها: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ تلك الزلزلة التي تُبَسُّ فيها الجبال بَسَّا، أي تُفتَّت، فتكون هباءً منبثاً، وتدك الأرض دكاً دكاً، وتفني فيها البشرية، كل ذلك بقوة الله القاهرة، وإرادته الكاملة، بكلمة واحدة وهي: «كن» فيكون ما يريده سبحانه، وها هو جل شأنه ينذر عباده بنماذج مصغرة من هذه الأهوال العظام، والتي هي من أشراط الساعة الصغرى، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج - وهو القتل - وحتى يكثر فيكم المال فيفيض»، فدل على أن كثرة الزلازل من دلائل قرب الساعة، والساعة أدهى وأمر.

ومهما فسر علماء الجيولوجيا هذه الآيات من تفسيرات؛ فإن تفسيرهم لا يعدو كونَه ظنيات، والحقيقة هي النذارة الإلهية للبشرية، لتعرف أن هذه الأرض وما عليها ليست دائمة، بل ستأتي ساعة تُجتث اجتثاثاً فما يكون لها من قرار، لأنها مخلوقة وكل مخلوق فمآله الفناء، عاجلاً أو آجلاً، كما قال جل شأنه: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، وقال عزّ شأنه: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ فلا نغتر بها، وإنما نتبلغ بها إلى حين.

وإذا علمنا أن هذه الدنيا بكواكبها الأرضية والسماوية هي زائلة وفانية بلا عودة، فلنعلم أن المستخلَف فيها وهو الإنسان هو أعظم عند الله من الدنيا وما فيها، فإنها لا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة كما صح في الحديث وصح فيه: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»، ومن ذلك نستدل على منزلة الإنسان عند الله تعالى، ومن أجل ذلك كان الإنسان وحده الذي يَكتب الله له البقاء الدائم، فقد كان ميْتاً فأحياه، ثم يميته ثم يحييه، وهي الحياة الدائمة الباقية بنعيم الجنة إن كان مؤمناً بربه، عابداً له، أو بعذاب الآخرة إن كان جاحداً ربوبيته متكبراً عن عبادته.

فعلى الإنسان ألا يغتر بهذه الدنيا الفانية التي ستكون يوماً ما هباء منثوراً، وها هي النذر تتراءى له بين ناظريه، فليْعلم علم اليقين أن ما أخبر به سبحانه وتعالى عن هذه الدنيا كائن لا محالة، فلا يسعه إلا التبلُّغ بشيء منها للقاء ربه بصالح عمل يدخره لنفسه. الآيات التي يخوف الله تعالى بها عباده كهذه الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسورية على الوجه الأخص، ودولاً أخرى كثيرة، وتبعتها هزات كثيرة بلغت في إحدى إحصائياتها 312 هزة، خلفت آلافاً من الضحايا شهداء، وأضعافهم جرحى، وآلاف المنازل والطرق المدمرة. 

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة