لماذا تضطر بوتان لاستيراد الأرز؟

عبدالناصر الشعالي

في زيارة لبوتان بغرض السياحة، استوقفتني حقول الأرز الممتدة على مد النظر، وعلى وجه الخصوص تلك التي تم زراعتها على أطراف الهضاب لتُشكل عدداً من التراسات المتدرجة من الأصغر حجماً إلى الأكبر حجماً عند النقطة التي تتساوى فيها بداية الهضبة مع سطح الأرض.

ما يُثير الذهول في هذه التحفة الزراعية، هو أن الغرض من التراسات أن تمتلئ الأولى وتفيض لتملأ الثانية فالثالثة فالرابعة، وهكذا حتى الحقل الأخير في أسفل الهضبة، حيث إن الأرز يُزرع بهذه الطريقة التي تتطلب أن تتم تغطية الحقل كاملاً بالماء.

الهدف من اعتماد مثل هذا النظام الزراعي يتمثل في الاستفادة من مياه الأمطار، وكذلك المياه التي مصدرها أعالي الجبال وهي في طريقها لتستقر في قعر الأرض، كمياه جوفية يتم استخراجها واستخدامها في وقت لاحق أثناء فترات الجفاف وشح الأمطار مثلاً.

سيعتقد الناظر لهذا العدد المهول من التراسات الممتدة من مدينة لأخرى في بوتان، التي لا يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة، أن الأخيرة لديها ما يغطي حاجتها من الأرز ويفيض لتشمل صادراتها سلعة الأرز لبقية دول العالم،

إلا أن الواقع عكس ذلك تماماً، علماً بأن الأرز تتم زراعته في بوتان مرتين في كل عام، وأنه تتم زراعة أكثر من 10 أصناف من الأرز في بوتان.

بوتان في حقيقة الأمر دولة مستوردة للأرز، ويعود السبب في ذلك إلى أن المُزارعين الذين يقومون بزراعة الأرز في بوتان يقومون بذلك لتغطية حاجتهم الحالية للاستهلاك وتخزين البقية لوقت آخر، فيندُر بذلك الأرز الذي يتم بيعه في السوق لمن يعتمد على زراعة سِلع أخرى غير الأرز أو مِهن غير الزراعة لنيل قوت عيشهم.

نتيجةً لذلك، تقوم الحكومة في بوتان باستيراد الأرز من دول أخرى لتغطية هذه الاحتياجات.

وكون بوتان مغلقة بلا منفذ بحري ومحاطة بدولتين يسكنهما قرابة ثلاثة مليارات نَسمة، مع عدم إمكانية ولوج أي شركة طيران لمجالها الجوي والنزول في مطاراتها سوى شركتي طيران تابعتين للمملكة؛ فإن مسألة استيراد الأرز من دول أخرى قد لا تكون بالسهولة التي كانت عليها قبل أزمة «كوفيد-19» والأزمة الروسية - الأوكرانية وما نتج إثر الأزمتين من انخفاض في مستويات الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى المشكلات المتعلقة بسلاسل إمداد الغذاء.

إذاً لا يمكن لبوتان مُستقبلاً الاعتماد على استيراد الأرز نظراً لوضعها الجيوغرافي الذي سيُحتم عليها مع مرور الوقت السعي لتنويع مصادر استيراد الأرز من دول أخرى، وتحمُّل تكاليف باهظة لشحن هذه السلعة، براً أو جواً لتعذر الشحن البحري من دول أخرى مُجاورة قد تملك وقد لا تملك فائضاً من هذه السلعة الأساسية التي تُعد من أقل السلع الأساسية التي تتم التجارة فيها عالمياً.

يذكر أن بوتان لا تنقصها الموارد المائية لزراعة سلعة تحتاج إلى الكثير من المياه كالأرز؛ لذا فإن الأمن الغذائي للمملكة لن يتحقق على المدى البعيد من غير اعتماد استراتيجية خاصة تُمكن ساكنيها من إنتاج الأرز باستمرار حتى مع ممارستهم أعمالاً أخرى، علماً بأن بوتان لديها من المقومات لزراعة الأرز ما يجعلها من المُصدّرين لهذه السلعة.

اقتصادي مختص في الأمن الغذائي

aj_alshaali@

Aj.alshaali@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر